فصل أجناس الفضائل الأربع والأقوال في حقيقة العدالة قد تبين في العلم الطبيعي أن للنفس الناطقة قوتين: " أولاهما ": قوة الإدراك و " ثانيتهما ": قوة التحريك، ولكل منهما شعبتان: (الشعبة الأولى) للأولى العقل النظري، وهو مبدأ التأثر عن المبادئ العالية بقبول الصور العلمية، و (الشعبة الثانية) لها العقل العملي، وهو مبدأ تحريك البدن في الأعمال الجزئية بالرؤية (1). وهذه الشعبة من حيث تعلقها بقوتي الشهوة والغضب مبدأ " لحدوث " (2) بعض الكيفيات الموجبة لفعل أو انفعال، كالخجل والضحك والبكاء وغير ذلك، ومن حيث استعمالها الوهم والمتخيلة مبدأ لاستنباط الآراء والصنائع الجزئية. ومن حيث نسبتها بالعقل وحصول الازدواج بينهما سبب لحصول الآراء الكلية المتعلقة بالأعمال كحسن الصدق، وقبح الكذب، ونظائرهما. (الشعبة الأولى) للثانية قوة الغضب وهي مبدأ دفع غير الملائم على وجه الغلبة، و (لشعبة الثانية) لها قوة الشهوة وهي مبدأ جلب الملائم.
ثم إذا كانت القوة الأولى غالبة على سائر القوى ولم تنفعل عنها، بل كانت هي مقهورة عنها مطيعة لها فيما تأمرها به وتنهاها عنه، كان تصرف كل منها على وجه الاعتدال، وانتظمت أمور النشأة الإنسانية، وحصل تسالم القوى الأربع وتمازجها، فتهذب كل واحد منها، ويحصل له ما يخصه من الفضيلة، فيحصل من تهذيب العاقلة العلم وتنبعه الحكمة، ومن تهذيب العاملة العدالة، ومن تهذيب الغضبية الحلم وتنبعه الشجاعة، ومن تهذيب الشهوية العفة وتتبعه السخاوة. وعلى هذا تكون العدالة كمالا للقوة العملية.
بطريق آخر قيل: إن النفس لما كانت ذات قوى أربع العاقلة والعاملة والشهوية