والملكية، وله الترقي عن جميع تلك المراتب بأن تتحقق له مرتبة مشاهدة الوحدة الصرفة فيتجاوز عن أفق الملائكة، فهو النسخة الجامعة لحقائق الملك والملكوت، والمعجون المركب من عالمي الأمر والخلق، قال أمير المؤمنين (ع) " إن الله خص الملك بالعقل دون الشهوة والغضب، وخص الحيوانات بهما دونه وشرف الإنسان بإعطاء الجميع، فإن انقادت شهوته وغضبه لعقله صار أفضل من الملائكة لوصوله إلى هذه المرتبة مع وجود المنازع والملائكة ليس لهم مزاحم ".
وصل قد ظهر بما ذكر أن الإنسان ذو جنبة روحانية يناسب بها الأرواح الطيبة والملائكة القادسة، وذو جنبة جسمانية يشابه بها السباع والأنعام، فبالجزء الجسماني أقيم في هذا العالم الحسي مدة قصيرة، وبالجزء الروحاني ينتقل إلى العالم العلوي، ويقيم فيه أبدا في مصاحبة الأرواح القدسية، بشرط أن يتحرك بقواه نحو كمالاتها الخاصة، حتى يغلب الجزء الروحاني على الجسماني وينفض عن نفسه كدورات الطبيعة، وتظهر فيه آثار الروحانيات من العلم بحقائق الأشياء والأنس بالله تعالى والحب له والتحلي بفضائل الصفات.
وحينئذ يقوم بغلبة روحانيته بين الملأ الأعلى يستمد منهم لطائف الحكمة.
ويستنير بالنور الإلهي ويزيد ذلك بحسب دفع العلائق الجسمية، حتى إذا ارتفعت عنه حجب الغواسق الطبيعية بأسرها، وأزيلت عنه أستار العوائق الهيولانية برمتها، خلي عن جميع الآلام والحسرات، وكان أبدا مسرورا بذاته، مغتبطا بحاله، مبتهجا بما يرد عليه من فيوضات النور الأول، ولا يسر إلا بتلك اللذات، ولا يغتبط إلا بها، ولا يهش إلا بإظهار الحكمة الحقة بين أهلها، ولا يرتاح إلا بمن ناسبه وأحب الاقتباس منه، ولا يبالي بمفارقة الدنيا وما فيها، ويرى جسمه وماله وجميع خيرات الدنيا وبالا وكلا عليه إلا ما هو ضروي يحتاج إليه بدنه الذي يفتقر إليه في تحصيل كما له، ويحن أبدا إلى مصاحبة الذوات النورية، ولا يفعل إلا ما أراد الله تعالى منه، ولا يتعرض إلا لما يقربه إليه، ولا يخالفه في متابعة الشهوات الردية، ولا ينخدع