بل هو رذيلة في طرف التفريط. فاللازم إذا وقع فيه أن يرفع نفسه إلى أن يعود إلى الوسط الذي هو الصراط المستقيم. فإن العدل أن يتواضع بمثل ما ذكر لأمثاله ولمن يقرب درجته. فأما تواضعه للسوقي، فبالبشر في الكلام، والرفق في السؤال، وإجابة دعوته، والسعي في حاجته، وأمثال ذلك، وألا يرى نفسه خيرا منه، نظرا إلى خطر الخاتمة.
ثم ينبغي ألا يتواضع للمتكبرين، إذ الانكسار والتذلل لمن يتكبر ويتعزز مع كونه من التخاسس والمذلة المذمومة يوجب إضلال هذا المتكبر، وتقريره على تكبره، وإذا لم يتواضع له الناس وتكبروا عليه ربما تنبه وترك التكبر، إذا المتكبر لا يرضى بتحمل المذلة والإهانة من الناس، ولذا قال رسول الله (ص): " إذا رأيتم المتواضعين من أمتي فتواضعوا لهم، وإذا رأيتم المتكبرين فتكبروا عليهم، فإن ذلك لهم مذلة وصغار ".
ومنها:
الافتخار أي المباهاة باللسان بما توهمه كمالا، والغالب كون المباهاة بالأمور الخارجة عن ذاته، وهو بعض أصناف التكبر - كما أشير إليه - فكل ما ورد في ذمة يدل على ذمه، والأسباب الباعثة عليه هي أسباب التكبر. وقد تقدم أن شيئا منها لا يصلح لأن يكون منشأ للافتخار، فهو ناش من محض الجهل والسفاهة. قال سيد الساجدين (ع): " عجبا للمتكبر الفخور الذي كان بالأمس نطفة ثم (هو) (96) غدا جيفة ". وقال الباقر (ع): " عجبا للمختال الفخور، وإنما خلق من نطفة ثم يعود جيفة، وهو فيما بين ذلك لا يدري ما يصنع به ". وقال (ع): " صعد رسول الله (ص) المنبر يوم فتح مكة، فقال: أيها الناس إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتفاخرها بآبائها، ألا إنكم من آدم وآدم من طين، ألا إن خير عباد الله عبد اتقاه ".
وقال له (ع) عقبة بن بشير الأسدي: أنا في الحسب الضخم عزيز في قومي، فقال له: " تمن علينا بحسبك! إن الله تعالى رفع بالأيمان من كان الناس يسمعونه وضيعا إذا كان مؤمنا، ووضع بالكفر من كان الناس يسمعونه