وإفشاء الأسرار وهتك الأستار والسخرية والاستهزاء، وغير ذلك من قبيح الكلام الذي يستحيي منه العقلاء، وتوثب الأعضاء بالضرب والجرح والتمزيق والقتل، وتألم القلب بالحقد والحسد والعداوة والبغض ومما تلزمه: الندامة بعد زواله، وعداوة الأصدقاء، واستهزاء الأراذل، وشماتة الأعداء.
وتغير المزاج، وتألم الروح وسقم البدن، ومكافأة العاجل وعقوبة الأجل.
والعجب ممن توهم أن شدة الغضب من فرط الرجولية، مع أن ما يصدر عن الغضبان من الحركات القبيحة إنما هو أفعال الصبيان والمجانين دون الرجال والعاقلين، كيف وقد تصدر عنه الحركات غير المنتظمة، من الشتم والسب بالنسبة إلى الشمس، والقمر، والسحاب، والمطر، والريح، والشجر، والحيوانات والجمادات، وربما يضرب القصعة على الأرض، ويكسر المائدة، ويخاطب البهيمة والجماد كما يخاطب العقلاء، وإذا عجز عن التشفي، وربما مزق ثوبه، ولطم وجهه، وقد يعدو عدو المدهوش المتحير، وربما اعتراه مثل الغشية، أو سقط على الأرض لا يطيق النهوض والعدو. وكيف يكون مثل هذه الأفعال القبيحة من فرط الرجولية وقد قال رسول الله (ص): " الشجاع من يملك نفسه عند غضبه ".
فصل (إمكان إزالة الغضب وطرق علاجه) قد اختلف علماء الأخلاق في إمكان إزالة الغضب بالكلية وعدمه، فقيل:
قمع أصل الغضب من القلب غير ممكن، لأنه مقتضى الطبع، إنما الممكن كسر سورته وتضعيفه، حتى لا يشتد هيجانه. وأنت خبير بأن الغضب الذي يلزم إزالته هو الغضب المذموم، إذ غيره مما يكون بإشارة العقل والشرع ليس غضبا فيه كلامنا، بل هو من آثار الشجاعة، والاتصاف به من اللوازم وإن أطلق عليه اسم الغضب أحيانا حقيقة أو مجازا، كما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: " كان النبي (ص) لا يغضب للدنيا، وإذا أغضبه الحق لم يصرفه أحد، ولم يقم لغضبه شئ حتى ينتصر له ". ولا ريب أن الغضب الذي يحصل لرسول الله (ص) لم يكن غضبا مذموما، بل كان غضبا ممدوحا يقتضيه منصب النبوة، وتوجيه الشجاعة النبوية، ثم الغضب