فالعلاج في تحصيله الارتقاء إلى ذروة المعرفة، إذ هذا الخوف ثمرة المعرفة بالله وبصفات جلاله وجماله، ومن لم يمكنه ذلك فلا يترك سماع الأخبار والآثار وملاحظة أحوال الخائفين من هيبته وجلاله، كالأنبياء والأولياء وزمرة العرفاء، فإنه لا يخلو عن تأثير.
(الثالث) أن يتأمل في أن الوقوف على كنه صفات الله في حيز المحال، وإن الإحاطة بكنه الأمور ليس في مقدرة البشر، إذ هي مرتبطة بالمشية ارتباطا يخرج عن حد المعقول والمألوف. ومن عرف ذلك على التحقيق يعلم إن الحكم على أمر من الأمور الآتية غير ممكن بالحدس والقياس، فضلا عن القطع والتحقيق، وحينئذ يعظم خوفه ويشتد ألمه، وإن كانت الخيرات كلها له ميسرة ونفسها عن الدنيا بالمرة منقطعة، وإلى الله بشراشرها ملتفتة، إذ خطر الخاتمة وعسر الثبات على الحق مما لا يمكن دفعه، وكيف يحصل الاطمئنان من تغير الحال، وقلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن، وإنه أشد تقلبا من القدر في غليانها، وقد قال مقلب القلوب:
" إن عذاب ربهم غير مأمون " (115).
فأنى للناس أن يطمئنوا وهو يناديهم بالتحذر، ولذا قال بعض العرفاء:
" لو حالت بيني وبين من عرفته بالتوحيد خمسين سنة أسطوانة فما لم أقطع له بالتوحيد، لأني لا أدري ما ظهر له من التقلب " (116).
فصل خوف سوء الخاتمة وأسبابه قد أشير إلى أن أعظم المخاوف خوف سوء الخاتمة، وله أسباب مختلفة ترجع إلى ثلاثة:
(الأول) وهو الأعظم، وهو أن يغلب على القلب عند سكرات الموت وظهور أهواله، إما الجحود أو الشك فتقبض الروح في تلك الحالة، وتصير عقدة الجحود أو الشك حجابا بينه وبين الله تعالى، وذلك يقتضي البعد الدائم، والحرمان اللازم، وخسران الأبد، والعذاب المخلد.