لك طبقا تضع عليها ما تريد، وإن جمعتها كانت لك آلة للضرب، وإن نشرتها ثم ضممتها كانت آلة للقبض، وإن ضممتها ضما غير نام كانت لك مغرفة، وإن وضعت الإبهام على السبابة كانت لك مخرقة، وإن بسطت الكف مع اتصال الأصابع كانت لك مجرفة. وإن بسطت الكف وجمعت عليها الأصابع كانت لك محرزة، إلى غير ذلك من المنافع.
ثم خلق (الأظفار) على رؤوسها، زينة للأنامل وعمادا لها من ورائها، حتى لا تنفت، وليلتقط بها الأشياء الدقيقة التي لا تتناولها الأنامل، وليحك بها بدنه عند الحاجة، فالظفر الذي هو أخس الأعضاء لو عدمه الإنسان وحدثت به حكة لكان أضعف الخلق وأعجزهم، ثم هدى (اليد) إلى موضع الحك حتى تمتد إليه ولو في حالة النوم والغفلة، من غير حاجة إلى فحص وطلب، ولو استعان بغيره لم يعثر على موضع الحك.
ثم خلق (الرجلين) مركبتين من الفخذ والساق والقدم، كل منها على شكل خاص وتركيب خاص، ليتحرك بهما الإنسان إلى أي موضع أراد، ولو تغير شئ من الشكل أو الوضع أو التركيب في جزء من أجزائهما لاختل أمر الحركة، ووضع عليهما جملة البدن وجعلهما دعامة وأساسا له وحاملين لثقله، مع خفتهما وصغر جثتهما بالنسبة إليه، إذ حسن التركيب وسهولة الحمل والحركة في مثل هذا الخلق لا يتصور بدون ذلك. فانظر في عجيب حكمة ربك حيث جعل الأخف والأدق والأصغر أساسا وحاملا للأثقل والأغلظ والأكبر، مع إن كل بناء يكون أساسه أكبر وأغلظ مما يبنى عليه، وكل حامل يكون أعظم جثة من المحمول، فسبحانه من خالق لا نهاية لعجائب حكمته وغرائب قدرته.
ثم خلق جميع ذلك في النطفة في جوف الرحم في ظلمات ثلاث، ولو كشف عنها الغطاء وامتد إليها البصر، لكان يرى التخطيط والتصوير يظهر عليها شيئا فشيئا، ولا يرى المصور ولا آلته، فسبحانه من مصور فاعل يتصرف في مصنوعه من دون احتياج إلى مباشرة آلة ولا افتقار إلى مكادحة عمل.
تذنيب ثم تأمل - أيها المتأمل - في عجائب حكم ربك: إنه لما كبر الصبي