الأجزاء أقرب في التساوي مما كان للطبي إلى أن يبلغ إلى الحقيقي، " والثاني " أن يصير أبعد فيه مما كان له إلى غير النهاية، إلا أن بعض مراتب الطرفين التي منها الاعتدال الحقيقي غير ممكن الوقوع فتأمل.
فإن قيل: إن الوسط المعتبر هنا إن كان إضافيا، لكان له عرض كعرض المزاج، فلا يناسب وصفه بالحدة والدقة، قلنا: كما في عرض المزاج مرتبة هي أفضل المراتب وأقربها إلى الحقيقي، وهي المطلوبة بالذات، ولا ريب في أن خصوص هذه ليس لها عرض واسعة، فلا بأس بوصفها بالدقة والحدة، وأما سائر المراتب المعدودة من الوسط وإن لم تكن خالية عن شوائب الإفراط والتفريط، إلا أنه لما كان لها قرب محدود إلى المرتبة المطلوبة بحيث يصدق معه كون النوع أو الشخص باقيا على كماله اللائق به عدت من الأوساط والفضائل، كما أن غير الأقرب إلى الاعتدال الحقيقي من مراتب عرض المزاج يعد من الاعتدال: لكون النوع أو الشخص معه باقيا محفوظا بحيث لا يظهر خلل بين في أفعاله وإن لم يخل عن الانحراف، ولو وصف هذه المراتب أيضا بالحدة والدقة مع سعتها فوجهه أن وجدانها والثبات عليها لا يخلو أيضا من صعوبة.
فصل أجناس الرذائل وأنواعها قد ظهر مما ذكر أنه بإزاء كل فضيلة رذائل غير متناهية من طرفي الإفراط والتفريط، وليس لكل منها اسم معين ولا يمكن عد الجميع وليس على صاحب الصناعة حصر مثلها، لأن وظيفته بيان الأصول والقوانين الكلية، لا إحصاء الأعداد الجزئية.
والقانون اللازم بيانه هو أن الانحراف عن الوسط إما إلى طرف الإفراط أو إلى طرف التفريط، فيكون بإزاء كل فضيلة جنسان من الرذيلة، ولما كانت أجناس الفضائل أربعة فتكون أجناس الرذائل ثمانية (اثنان) بإزاء الحكمة " الجربزة والبله ": و (الأول) في طرف الإفراط وهو استعمال الفكر في ما لا ينبغي أو في أقل منه، والأولى أن يصير عنهما (بالسفسطة) أي الحكمة المموهة، و (الجهل) أي البسيط منه، لأن حقيقة الحكمة هو العلم