وفيه فصول (1):
فصل الطريق لحفظ اعتدال الفضائل قد تقرر في الطب الجسماني أن حفظ الصحة بإيراد المثل وملائم المزاج، فيجب أن يكون حفظ اعتدال الفضائل أيضا بذلك. وإيراد المثل لحفظ اعتدالها يكون بأمور:
" منها " اختيار مصاحبة الأخيار، والمعاشرة مع أولي الفضائل الخلقية، واستماع كيفية سلوكهم مع الخالق والخليقة، والاجتناب عن مجالسة الأشرار وذوي الأخلاق السيئة، والاحتراز عن استماع قصصهم وحكاياتهم وما صدر عنهم من الأفعال ومزخرفاتهم، فإن المصاحبة مع كل أحد أقوى باعث على الاتصاف بأوصافه، فإن الطبع يسترق من الطبع كلا من الخير والشر.
والسر: أن النفس الإنسانية ذات قوى بعضها يدعو إلى الخيرات والفضائل وبعضها يقتضي الشرور والرذائل، وكلما حصل لأحدهما أدنى باعث لما تقتضيه جبلته مال إليه وغلب على صاحبه إلى الخير، ولكون دواعي الشر من القوى أكثر من بواعث الخير منها، يكون الميل إلى الشر أسرع وأسهل بالنسبة إلى الميل إلى الخير، ولذا قيل: إن تحصيل الفضائل بمنزلة الصعود إلى الأعالي، وكسب الرذائل بمثابة النزول منها. وإلى ذلك يشير قوله صلى الله عليه وآله وسلم: " حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات ".
" ومنها " أعمال القوى في شرائف الصفات، والمواظبة على الأفعال التي هي آثار فضائل الملكات، وحمل النفس على الأعمال التي يقتضيها الخلق الذي يريد حفظه، فالحافظ لملكة الجود يجب أن يواظب على إنفاق المال وبذله على المستحقين، ويقهر على نفسه عند وجدان ميلها إلى الامساك، والحافظ لملكة الشجاعة يجب ألا يترك الإقدام في الأخطار والأهوال بشرط إشارة العقل، ويغضب على نفسه عند وجدان الجبن منها. وهكذا الحال في سائر الصفات. وهذا بمثابة الرياضة الجسمانية في حفظ الصحة البدنية.