ولده بأن يراقبه ويضربه مهما ساء أدبه، ويغضب عليه إذا اشتغل بما لا يليق به، فإن كان الغلام مطيعا محبا لمولاه يغضب عليه إذا ساء أدبه امتثالا لأمر مولاه، ومع ذلك يحبه لانتسابه إلى مولاه بالولادة، ولا يتكبر عليه ويتواضع له، ويرى قدره عند مولاه فوق قدر نفسه، لأن الولد أعز لا محالة من الغلام.
تذنيب (العلاج العملي للكبر) ما ذكرناه لعلاج الكبر إنما هو العلاج العلمي، وأما (العلاج العملي)، فهو أن يتواضع بالفعل ولسائر الخلق، ويواظب على أخلاق المتواضعين، ويكلف نفسه على ذلك إلى أن تقطع عن قلبه شجرة الكبر بأصولها وفروعها، ويصير التواضع ملكة له. وللقطع الكلي وحصول ملكة التواضع امتحانات يعرفان بها، فلا بد أن يمتحن نفسه بها حتى يطمئن بأنه متواضع، إذ النفس قد تضمر التواضع وتدعي البراءة من الكبر، فإذا وقعت الواقعة عادت إلى طبعها ونسيت وعدها:
(الأول) أن يناظر مع أقرانه في بعض المسائل، فإذا ظهر شئ من الحق على لسانهم، فإن اعترف به مع السرور والاهتزاز والشكر لهم لتنبيههم إياه على ما غفل عنه فهو علامة التواضع، وإن ثقل عليه القبول والاعتراف ولم يسر بظهور الحق على لسانهم فهو دليل بقاء الكبر بعد فليعالجه من حيث العلم بأن يتذكر سوء عاقبته وخسة نفسه وخباثتها، من حيث أن قبول الحق يثقل عليها، ومن حيث العمل بأن يكلف نفسه على ما يثقل عليها من الاعتراف بالحق وإطلاق اللسان بالثناء والشكر، والاقرار على نفسه بالعجز والقصور، ويقول: ما أحسن فطانتك! لقد أرشدتني إلى الحق، فجزاك الله خيرا. فإذا واظب على ذلك مرات متوالية، صار ذلك له طبعا، وسقط ثقل الحق عن قلبه وطاب له قبوله، وإن لم يثقل عليه في الخلوة وثقل عليه في الملأ، فليس فيه كبر، بل فيه رياء، فليعالج بما يأتي في معالجة الرياء.
(الثاني) أن يقدم الأقران والأمثال على نفسه في المحافل، ويمشي خلفهم في الطرق، فإن لم يثقل ذلك عليه فهو متواضع، وإلا فمتكبر، فليقدمهم بالتكلف، ويجلس تحتهم، ويظهر السرور والارتياح بذلك،