في الأعضاء الرئيسية يوجب النقص في إدراك النفس وفساد تخيلها. وكثيرا ما يحدث من بعض الأمراض السوداوية فساد الاعتقاد والجبن وسوء الظن، ومن بعضها التهور، ويحصل من أكثر الأمراض سوء الخلق.
فصل المعالجات الكلية لمرض النفس سبب الانحراف إن كان مرضا جسمانيا فيجب أن يبادر إلى إزالته بالمعالجات الطبية، وإن كان نفسانيا فالمعالجة الكلية هنا كالمعالجة الكلية في الطب الجسماني. والمعالجة الكلية فيه أن يعالج المرض أولا بالغذاء الذي هو ضد المرض طبعا، كأن يعالج المرض البارد بالغذاء الحار، فإن لم ينفع فبالدواء، وإن لم ينجع فبالسمومات، وإن لم يحصل بها البرء فبالكي أو القطع، وهو آخر العلاج. فالقانون الكلي في المعالجة هنا أيضا كذلك، وهو أن يبادر بعد معرفة الانحراف إلى تحصيل الفضيلة التي هي ضده، والمواظبة على الأفعال التي هي آثارها، وهذا بمنزلة الغذاء المضاد للمرض.
فكما أن حصول الحرارة في المزاج يدفع البرودة الحادثة فيه، فكذا كل فضيلة تحدث في النفس تزيل الرذيلة التي هي ضدها. فإن لم ينفع فليوبخ النفس ويعيرها على هذه الرذيلة فكرا أو قولا أو عملا، ويعاتبها ويخاطبها بلسان الحال والمقال: أيتها النفس الأمارة قد هلكت وتعرضت لسخط الله وغضبه، وعن قريب تعذبين في النار مع الشياطين والأشرار. فإن لم يؤثر ذلك فليرتكب آثار الرذيلة التي هي ضد هذه الرذيلة، بشرط محافظة التعديل، فصاحب الجبن مثلا يعمل أعمال المتهورين، فيخوض في المخاوف والأهوال ويلقي نفسه في موارد الحذر والأخطار. وصاحب البخل يكثر من بذل الأموال، بشرط أن يكف إذا قرب زوال الجبن والبخل لئلا يقع في التهور والإسراف، وهذا بمنزلة المداواة بالسم. فإن لم ينفع ذلك لقوة استحكام المرض فليعذب النفس بأنواع التكاليف الشاقة والرياضات المتعبة المضعفة للقوة الباعثة على هذه الرذيلة، وهذا بمثابة الكي والقطع، وهو آخر العلاج.
المعالجات الخاصة لمرض النفس " تنبيه " لما عرفت المعالجة الكلية الشاملة لجميع الرذائل بأجناسها