وصل اليقين:
قد عرفت: إن ضد الجهل المركب والحيرة والشك هو (اليقين) وأول مراتبه اعتقاد ثابت جازم مطابق للواقع غير زائل بشبهة وإن قويت، فالاعتقاد الذي لا يطابق الواقع ليس يقينيا، وإن جزم به صاحبه واعتقد مطابقته للواقع، بل هو - كما أشير إليه - جهل مركب ينشأ عن اعوجاج القريحة، أو خطأ في الاستدلال، أو حصول مانع من إفاضة الحق كتقليد أو عصبية أو غير ذلك. فاليقين من حيث اعتبار المطابقة للواقع فيه يكون ضدا للجهل المركب. ثم العلم إن لم يعتبر فيه المطابقة للواقع ففرقه عن اليقين ظاهر، وإلا فيتساويان ويتشاركان في المراتب المثبتة لليقين.
هذا ومتعلق اليقين إما أجزاء الإيمان ولوازمه، من وجود الواجب وصفاته الكمالية وسائر المباحث الإلهية من النبوة وأحوال النشأة الآخرة، أو غيرها من حقائق الأشياء التي لا يتم الإيمان بدونها. ولا ريب في أن مطلق اليقين أقوى أسباب السعادة، الأخروية، لتوقف الإيمان عليه، بل هو أصله وركنه، وغيره من المراتب فرعه وغصنه، والنجاة في الآخرة لا تحصل إلا به، والفاقد له خارج عن زمرة المؤمنين داخل في حزب الكافرين.
وبالجملة: اليقين أشرف الفضائل الخلقية وأهمها، وأفضل الكمالات النفسية وأعظمها، وهو الكبريت الأحمر الذي لا يظفر به إلا أوحدي من أعاظم العرفاء أو ألمعي من أكابر الحكماء. ومن وصل إليه فاز بالرتبة القصوى والسعادة العظمى. قال سيد الرسل (ص): " أقل ما أوتيتم اليقين وعزيمة الصبر، ومن أوتي حظه منهما لم يبال ما فاته من صيام النهار وقيام الليل "، وقال (ص): " اليقين الإيمان كله "، وقال (ص): " ما آدمي إلا وله ذنوب، ولكن من كانت غريزته العقل وسجيته اليقين لم تضره الذنوب، لأنه كلما أذنب ذنبا تاب واستغفر وندم فتكفر ذنوبه ويبقى له فضل يدخل به الجنة ".
وقال الصادق عليه السلام: " إن العمل الدائم القليل على اليقين أفضل عند الله تعالى من العمل الكثير على غير يقين "، وعنه عليه السلام: " إن الله