لم يلتفت إلى القلم والكاتب ولم يشكر إلا الملك، بل ربما يدهشه فرح النجاة وشكر الملك عن أن يخطر بباله الكاغد والحبر والقلم والكاتب.
ولا ريب في أن جميع المخلوقات من الشمس والقمر والنجوم والغيم والمطر والأرض وكل حيوان أو جماد مسخرات في قبضة القدرة، كتسخير القلم في يد الكاتب وتسخير الكاتب في يد السلطان، بل هذا تمثيل في حق العبد أن الكاتب هو الله سبحانه كما قال تعالى:
" وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى " (29).
فمن انكشف له أن جميع ما في السماوات والأرض مسخرات للواجب الحق، لم ير في الوجود مؤثر إلا هو، وانصرف عنه الشيطان خائبا، وأيس عن مزج توحيده بهذا الشرك.
وأما من لم ينشرح بنور الله صدره، قصرت بصيرته عن ملاحظة جبار السماوات والأرض ومشاهدة كونه وراء الكل، فوقف في الطريق على بعض المسخرات، وهو جهل محض. وغلطه في ذلك كغلط النملة مثلا لو كانت تدب على الكاغد فترى رأس القلم يسود الكاغد، ولم يمتد بصرها إلى الأصابع واليد، فضلا عن صاحب اليد، وظنت أن القلم هو المسود للبياض وذلك لقصور بصرها عن مجاوزة رأس القلم لضيق حدقتها.
فصل مناجاة السر لأرباب القلوب قال بعض العارفين (30): أرباب القلوب والمشاهدات قد أنطق الله في حقهم كل ذرة في الأرض والسماوات بقدرته التي أنطق بها كل شئ، حتى سمعوا تقديسها وتسبيحها وشهادتها على نفسها بالعجز، بلسان الواقع الذي هو ليس بعربي ولا أعجمي، وليس فيه حرف وصوت، ولا يسمعه أحد إلا