وسلم في الآخرة، وإن اشتغل بتصقيل النفس وارتياضها الشرح صدره وانفتح له باب الإفاضة، ووصل إلى المرتبة الأولى.
أنواع الرذائل المتعلقة بالعاقلة أما الأنواع المتعلقة بالعاقلة فمنها:
الجهل المركب:
وهو خلو النفس عن العلم وإذعانها بما هو خلاف الواقع، مع اعتقاد كونها عالمة بما هو الحق، فصاحبه لا يعلم، ولا يعلم أنه لا يعلم، ولذا سمي مركبا. وهو أشد الرذائل وأصعبها، وإزالته في غاية الصعوبة، كما هو ظاهر من حال بعض الطلبة. وقد اعترف أطباء النفوس بالعجز عن معالجته كما اعترف أطباء الأبدان بالعجز عن معالجة بعض الأمراض المزمنة، ولذا قال عيسى عليه السلام: " إني لا أعجز عن معالجة الأكمه والأبرص وأعجز عن معالجة الأحمق ". والسر فيه: أنه مع قصور النفس بهذا الاعتقاد الفاسد لا يتنبه على نقصانها، فلا يتحرك للطلب، فيبقى في الضلالة والردى ما دام باقيا في دار الدنيا. ثم المنشأ له إن كان اعوجاج السليقة فأنفع العلاج له تحريض صاحبه على تعلم العلوم الرياضية من الهندسة والحساب، فإنها موجبة لاستقامة الذهن لألفه لأجلها باليقينيات فيتنبه على خلل اعتقادها، فيصير جهلها بسيطا، فينتهض للطلب. وإن كان خطأ في الاستدلال، فليوازن استدلاله لاستدلالات أهل التحقيق والمشهورين باستقامة القريحة، ويعرض أدلة المطلوب على القواعد الميزانية باحتياط تام واستقصاء بليغ، حتى يظهر خطأه.
وإن كان وجود مانع من عصبية أو تقليد أو غير ذلك فليجتهد في إزالته.
ومنها الشك والحيرة:
وهو من باب رداءة الكيفية وهو عجز النفس عن تحقيق الحق وإبطال الباطل في المثالب الخفية، والغالب حصوله من تعارض الأدلة، ولا ريب أنه مما يهلك النفس ويفسدها، إذ الشك ينافي اليقين الذي لا يتحقق الإيمان بدونه. قال أمير المؤمنين عليه السلام في بعض خطبه: " لا ترتابوا فتشكوا ولا تشكوا فتكفروا " وكأن الارتياب في كلامه عليه السلام مبدأ الشك.