فصل بإزاء كل واحدة من القوى الأربع لذة وألم لما عرفت أن القوى في الإنسان أربع: قوة نظرية عقلية، وقوة وهمية خيالية، وقوة سبعية غضبية، وقوة بهيمية شهوية - فاعلم أنه بإزاء كل واحدة منها لذة وألم، لأن اللذة إدراك الملائم، والألم إدراك غير الملائم، فلكل من الغرائز المدركة لذة هو نيله مقتضى طبعه الذي خلق لأجله، وألم هو إداركه خلاف مقتضى طبعه:
(بغريزة العقل) لما خلقت لمعرفة حقائق الأمور، فلذتها في المعرفة والعلم، وألمها في الجهل، و (غريزة الغضب) لما خلقت للتشفي والانتقام فلذتها في الغلبة التي يقتضيها طبعها وألمها في عدمها، و (غريزة الشهوة) لما خلقت لتحصيل الغذاء الذي به قوام البدن، فلذتها في نيل الغذاء، وألمها في عدم نيله، وهكذا في غيرها، فاللذات والآلام أيضا على أربعة أقسام: العقلية والخيالية والغضبية والبهيمية.
فاللذة العقلية كالانبساط (36) الحاصل من معرفة الأشياء الكلية وإدراك الذوات المجردة النورية، والألم العقلي كالانقباض الحاصل من الجهل.
واللذة الخيالية كالفرح الحاصل من إدراك الصور والمعاني الجزئية الملائمة، والألم الخيالي كإدراك غير الملائمة منها. واللذة المتعلقة بالقوة الغضبية كالانبساط الحاصل من الغلبة ونيل المناصب والرياسات، والألم المتعلق بها كالانقباض الحاصل من المغلوبية والعزل والمرؤسية. واللذة البهيمية هي المدركة من الأكل والجماع وأمثالهما، والألم البهيمي ما يدرك من الجوع والعطش والحر والبرد وأشباهها. وهذا اللذات والآلام تصل إلى النفس وهي الملتذة والمتألمة حقيقة إلا أن كلا منها يصل إليها بواسطة القوة التي تتعلق بها. والفرق بين الكل ظاهر.
وربما يشتبه بين ما يتعلق بالوهم والخيال وما يتعلق بالقوة الغضبية من حيث اشتراكهما في الترتب على التخيل.
ويدفع الاشتباه بأن ما يتعلق بالغضبية وإن توقف على التخيل إلا أن