لظهر فخر الثقلين صلى الله عليه وآله وسلم. وكن في العمل متوسطا بين حفظ الظاهر والباطن، فلا تكن في باطنك خبيثا وظاهرك نقيا، حتى تكون كشوهاء ملبسة بزي حوراء مدلسة بأنواع التدليسات، ولا بالعكس لتكون مثل درة ملوثة بأقسام القاذورات، بل ينبغي أن يكون ظاهرك مرآة لباطنك حتى يظهر من محاسنك بقدر ما اقتضته ملكاتك الفاضلة الباطنة. وكن في جميع ملكاتك الباطنة وأفعالك الظاهرة متوسطا بين الإفراط والتفريط على ما يقرع سمعك في هذا الكتاب. ثم كن في العلوم متوسطا بين العلوم الباطنة العقلية والعلوم الظاهرة الشرعية، فلا تكن من الذين قصروا أنظارهم على ظواهر الآيات ولم يعرفوا من حقائق البينات، يذمون علماء الحقيقة وينسبونهم إلى الإلحاد والزندقة، ولا من الذين صرفوا أعمارهم في فضول أهل يونان وهجروا ما جاء به حامل الوحي والفرقان، يذمون علماء الشريعة ويثبتون لهم سوء القريحة، يدعون لأنفسهم الذكاء والفطانة وينسبون ورثة الأنبياء إلى الجهل والبطالة. ثم كن في العقليات متوسطا بين طرق العقلاء من غير جمود على واحدة منها بمجرد التقليد أو التعصب، فتوسط بين الحكمة والكلام والإشراق والعرفان، واجمع بين الاستدلال وتصفية النفس بالعبادة والرياضة، فلا تكن متكلما صرفا لا تعرف سوى الجدل، ولا مشائيا محضا أضاع الدين وأهمل، ولا متصوفا استراح بدعوى المشاهدة والعيان من دون بينة وبرهان. وكن في العلوم الشرعية متوسطا بين الأصول والفروع، فلا تكن إخباريا تاركا للقواعد القطعية، ولا أصوليا عاملا بقياسات عامية.
وقس على ذلك جميع أمورك الباطنة والظاهرة، واعمل به حتى يرشدك إلى طريق السداد، ويوفقك لاكتساب زاد المعاد.
دفع إشكال إن قيل: قد تلخص مما ذكر: أن الفضيلة في جميع الأخلاق والصفات إنما هو المساواة من غير زيادة ونقصان، مع إنه قد ثبت أن للتفضل محمود وهو زيادة فلا يدخل تحت العدالة الراجعة إلى المساواة. (قلنا): التفضل احتياط يقع لتحصيل القطع بعدم الوقوع في النقصان، وليس الوسط في طرفين من الأخلاق على نهج واحد، فإن الزيادة في السخاء إذا لم يؤد إلى