قبل الحساب لستة " وعد منهم أهل الرساتيق بالجهالة. (الثالث) أن يتذكر ما يدل على فضيلة العلم عقلا ونقلا كما نذكره. وإذا وقف على جميع ذلك فليتيقظ عن سنة الغفلة، ويصرف في إزالته الهمة، ويجتهد في تحصيل العلم عن أهاليه، ويصرف فيه أيامه ولياليه.
فصل شرف العلم والحكمة قد علم أن ضد الجنسين - أي الجربزة والسفسطة والجهل - هو الحكمة، أعني العلم بحقائق الأشياء. فلنذكر أولا بعض ما يدل على شرافته عقلا ونقلا، ترغيبا للطالبين على السعي في تحصيله وإزالة الجهل عن نفوسهم، فنقول:
لا ريب في أن العلم أفضل الفضائل الكمالية وأشرف النعوت الجمالية، بل هو أجل الصفات الربوبية وأجمل السمات الألوهية، وهو الموصل إلى جوار رب العالمين والدخول في أفق الملائكة المقربين، وهو المؤدي إلى دار المقامة التي لا تزول ومحل الكرامة التي لا تحول، وقد تطابق العقل والبرهان وإجماع أرباب الأديان على: أن السعادة الأبدية والقرب من الله سبحانه لا يتيسران بدونه، وأي شئ أفضل مما هو ذريعة إليهما. وأيضا قد ثبت في الحكمة المتعالية: إن العلم والتجرد متلازمان، فكلما تزداد النفس علما تزداد تجردا، ولا ريب في أن التجرد أشرف الكمالات المتصورة للانسان، إذ به يحصل التشبه بالملأ الأعلى وأهل القرب من الله تعالى.
ومن جملة العلوم معرفة الله التي هي السبب الكلي لإيجاد العلم العلوي والسفلى، كما دل عليه الخبر القدسي: " كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق ". على أن العلم لذيذ في نفسه محبوب في ذاته، وما يحصل منه من اللذة والابتهاج فلما يحصل من غيره. والسر فيه أن إدراك الأشياء والإحاطة بها نوع تملك وتصرف لها، إذ تتقرر في ذات المدرك حقائقها وصورها، ومثل هذا التملك لدوامه وجزئية المدرك للمدرك أقوى من ملكية الأعيان المبائنة لذات المالك الزائلة عنه. والتحقيق: أن إطلاق الملكية عليه مجازي، والنفس لكونها من سنخ عالم الربوبية تحب القهر والاستيلاء على