بقدر الحاجة، حتى يعجن به الطعام ويقدر على ابتلاعه.
ثم تفكر كيف خلق (الحناجر) وهيأها لخروج الأصوات، وجعلها مختلفة الأشكال في الضيق والسعة والخشونة والملاسة والطول والقصر وصلابة الجوهر ورخاوته، حتى اختلفت بها الأصوات، فلا يتشابه صوتان، بل يظهر به بين كل صوتين فرق حتى يميز السامع أصوات آحاد الناس بمجرد سماعها في الظلمة والغيبة.
ثم مد (العنق) وجعله مركبا للرأس، وركبه من سبع خرزات مجوفات مستديرات فيها تجويفات وزيادات ونقصان، لينطبق البعض على البعض ، ولما كان أكثر منافعه في الحركة جعل مفاصله سلسلة، ولم يجعل زوائدها المفصلية كبيرة كزوائد فقرات الصلب، لتكون حركاته أسرع، وتدارك تلك السلاسة بأعصاب وعضلات كثيرة محيطة به.
ثم انظر إلى عجائب (المعدة) وآلاتها التي يتم بها الأكل، فجعل سطح الفم متصلا بفم المعدة بحيث كأنهما سطح واحد، حتى يحصل أولا نوع انهضام بالمضغ، ثم هيأ (المرئ) (76) والحنجرة، وجعل على رأسها طبقات تنفتح لأخذ الطعام ثم تنطبق وتنضغط حتى يهوي الطعام من دهليز المرئ إلى المعدة، وإذا ورد عليها لا يصلح لأن يصير عظما ولحما ودما على هذه الهيئة، بل لا بد أن ينطبخ انطباخا تاما تتشابه أجزاؤه، فخلق الله المعدة على هيئة قدر يقع فيه الطعام وتنغلق عليه الأبواب، وخلق فيها حرارة صالحة للطبخ، ومع ذلك جعلها محاطة من جوانبها الأربعة بالحرارة المنبجسة من الكبد والطحال والثرب ولحم الصلب، فمن هذه الحرارات ينطبخ الطعام في المعدة وينهضم، حتى يصير كيلوسا (77) أي جوهرا سيالا ليشبه ماء الكشك (87) الثخين.
ثم خلق الله بعظيم حكمته ورأفته لإيصال صفو ما طبخ في المعدة إلى الكبد قسمين من العروق: (أحدهما) العروق المخلوقة في تحت المعدة المتصلة