فصل (الإفراط والتفريط والاعتدال في قوة الغضب) الناس في هذه القوة على إفراط وتفريط واعتدال. فالافراط: أن تغلب هذه الصفة حتى يخرج عن طاعة العقل والشرع وسياستهما، ولا تبقى له فكرة وبصيرة. والتفريط: أن يفقد هذه القوة أو تضعف بحيث لا يغضب عما ينبغي الغضب عليه شرعا وعقلا. والاعتدال: أن يصدر غضبه فيما ينبغي ولا يصدر في ما لا ينبغي، بحيث يخرج عن سياسة الشرع والعقل، بل يكون تابعا لهما في الغضب وعدمه، فيكون غضبه وانتقامه بأمرهما.
ولا ريب في أن الاعتدال ليس مذموما، ولا معدودا من الغضب، بل هو من الشجاعة. والتفريط مذموم معدود من الجبن والمهانة، وربما كان أخبث من الغضب، إذ الفاقد لهذه القوة لا حمية له، وهو ناقص جدا. ومن آثاره عدم الغيرة على الحرم وصغر النفس، والجور، وتحمل الذل من الأخساء، والمداهنة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والفحشاء. ولذا قيل: " من استغضب فلم يغضب فهو حمار " (8). وقد وصف الله خيار الصحابة بالحمية والشدة، فقال:
" أشداء على الكفار " (9) وخاطب نبيه (ص) بقوله:
" وأغلظ عليهم " (10) والشدة والغلظة من آثار قوة الغضب، ففقد هذه القوة بالكلية، أو ضعفها مذموم. وقد ظهر أن الغضب المعدود من الرذائل هو حد الإفراط الذي يخرجه عن مقتضى العقل والدين، وحد التفريط وإن كان رذيلة إلا أنه ليس غضبا، بل هو ضد له معدود من الجبن، وحد الاعتدال فضيلة وضد له ومعدود من الشجاعة، فانحصر الغضب بالأول.
ثم الناس كما هم مختلفون في أصل قوة الغضب، كذلك مختلفون في حدوثه وزواله سرعة وبطأ، فيكونان في بعضهم سريعين، وفي بعضهم بطيئين