في الدنيا منقادين للإمامة، ليجعل مخالفوهم من النار فداءهم ".
وأما (الثاني) - أعني ما يدل على أن رجاء المغفرة والعفو والرحمة إنما هو بعد العمل - فأكثر من أن يحصى، كقوله تعالى:
" إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله " (146). وقوله: " فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا " (147).
وقول النبي (ص): " الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والأحمق من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله الجنة ". وما روي عن الصادق (ع) أنه قيل له: " قوم يعملون بالمعاصي ويقولون: نرجو، فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم الموت، فقال: " هؤلاء قوم يترجحون في الأماني كذبوا ليسوا براجين، " إن " (148) من رجا شيئا طلبه، ومن خاف من شئ هرب منه ". وعن علي بن محمد، قال: قلت له عليه السلام: إن قوما من مواليك يلمون بالمعاصي ويقولون نرجو، فقال: " كذبوا، ليسوا لنا بموال، أولئك قوم ترجحت بهم الأماني. من رجا شيئا عمل له، ومن خاف شيئا هرب منه ". وعنه قال: " لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يكون خائفا واجبا، ولا يكون خائفا راجيا حتى يكون عاملا لما يخاف ويرجو ".
وصل (مواقع الخوف والرجاء وترجيح أحدهما على الآخر) قد عرفت أن الخوف والرجاء محمودان، لكونهما باعثين على العمل ودواءين يداوى بهما أمراض القلوب، ففضل كل منها إنما هو بحسب ما يترتب عليه من فائدة العمل ومعالجة المرض.
وهذا يختلف باختلاف الأشخاص: فمن كان تأثير الخوف في بعثه على العمل أكثر من تأثير الرجاء فيه، فالخوف له أصلح من الرجاء، ومن كان بالعكس فبالعكس. ومن غلب عليه مرض الأمن من مكر الله والاغترار به فالخوف له أصلح. ومن غلب عليه اليأس والقنوط، فالرجاء له أصلح،