المنع عن إلقائها في المهالك، كقوله تعالى:
" ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " (82).
وغير ذلك من الآيات والأخبار، والحق أن من لا يحافظ نفسه عما يحكم العقل بلزوم المحافظة عنه فهو غير خال عن شائبة من الجنون، وكيف يستحق اسم العقل من ألقى نفسه من الجبال الشاهقة ولم يبال بالسيوف الشاهرة، أو وقع (83) في الشطوط الغامرة الجارية ولم يحذر من السباع الضارية. كيف ومن ألقى نفسه فيما يظن به العطب، فهلك، كان قاتل نفسه بحكم الشريعة، وهو يوجب الهلاكة الأبدية والشقاوة السرمدية.
وعلاجه - بعد تذكر مفاسده في الدنيا والآخرة - أن يقدم التروي في كل فعل يريد الخوض فيه، فإن جوزه العقل والشرع ولم يحكما بالحذر عنه ارتكبه، وإلا تركه ولم يقدم عليه. وربما أحتاج في معالجته أن يلزم نفسه الحذر والاجتناب عن بعض ما يحكم العقل بعدم الحذر عنه، حتى يقع في طرف التفريط، وإذا علم من نفسه زوال التهور تركه وأخذ بالوسط الذي هو الشجاعة.
" وثانيهما ":
الجبن وهو سكون النفس عن الحركة إلى الانتقام أو غيره، مع كونها أولى.
والغضب إفراط في تلك الحركة، فله ضدية للغضب باعتبار، وللتهور باعتبار آخر. وعلى الاعتبارين هو في طرف التفريط من المهلكات العظيمة، ويلزمه من الأعراض الذميمة: مهانة نفس، والذلة، وسوء العيش، وطمع الناس فيما يملكه، وقلة ثباته في الأمور، والكسل، وحب الراحة، وهو يوجب الحرمان عن السعادات بأسرها وتمكين الظالمين من الظلم عليه، وتحمله للفضائح في نفسه وأهله، واستماع القبائح من الشتم والقذف، وعدم مبالاته بما يوجب الفضيحة والعار، وتعطيل مقاصده ومهماته، ولذلك ورد في ذمه من الشريعة ما ورد قال رسول الله (ص): " لا ينبغي للمؤمن .