الله: هكذا كونا، لا تأمنا مكري ". وروي: " أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وجبرئيل بكيا من خوف الله تعالى، فأوحى الله إليهما:
لم تبكيان وقد أمنتكما؟ فقالا: ومن يأمن مكرك؟ " وكأنهما لم يأمنا أن يكون قوله (قد أمنتكما) ابتلاء لهما وامتحانا. حتى أن سكن خوفهما (128) ظهر أنهما قد أمنا المكر وما وفيا بقولهما، كما أن إبراهيم (ع) لما وضع في المنجنيق قال: حسبي الله. وكان هذا القول منه من الدعاوي العظيمة، فامتحن وعورض بجبرئيل (ع) في الهواء حتى قال: أنك حاجة؟ قال:
أما إليك فلا. وكان ذلك وفاء بمقتضى قوله، فأخبر الله تعالى عنه وقال:
" وإبراهيم الذي وفى " (129).
وبالجملة ينبغي للمؤمن ألا يأمن من مكر ربه، كنا لم يأمن منه الملائكة والأنبياء، وإذا لم يأمن منه كان خائفا منه دائما.
تتميم التلازم بين الخوف والرجاء الرجاء ارتياح القلب لانتظار المحبوب، وهو يلازم الخوف، إذ الخوف - كما عرفت - عبارة عن التألم من توقع مكروه ممكن الحصول، وما يمكن حصوله يمكن عدم حصوله أيضا، وما كان حصوله مكروها كان عدم حصوله محبوبا، فكما إنه يتألم بتوقع حصوله يرتاح ليتوقع عدم حصوله أيضا، فالخوف عن الشئ وجودا يلزمه الرجاء عدما، وعنه عدما يلزمه الرجاء وجودا. وقس عليه استلزام الرجاء للخوف، فهما متلازمان، وإن أمكن غلبة أحدهما نظرا إلى كثرة حصول أسبابه. وإن تيقن الحصول أو عدمه لم يكن انتظارهما خوفا ورجاء، بل سمي انتظار مكروه أو انتظار محبوب.
ثم كما إن الخوف من متعلقات قوة الغضب، وإن الممدوح منه من فضائلها، لكونه مقتضى العقل والشرع، وباعثا للعمل من حيث الرهبة،