لذاته أشد وأقوى، فهو باسم الخير والسعادة أولى وأحرى، وإن كان الجميع خيرا وسعادة. وبذلك يحصل الجمع بين أقوال أرباب النظر والاستدلال، وأصحاب الكشف والحال، وأخوان الظاهر من أهل المقال، حيث ذهبت (الفرقة الأولى) إلى أن حقيقة السعادة هو العقل والعلم، و (الثانية) إلى أنها العشق، و (الثالثة) إلى أنها الزهد، وترك الدنيا.
فصل لا تحصل السعادة إلا بإصلاح جميع الصفات والقوى دائما لا تحصل السعادة إلا بإصلاح جميع الصفات والقوى دائما، فلا تحصل بإصلاحها بعضا دون بعض، ووقتا دون وقت، كما أن الصحة الجسمية، وتدبير المنزل، وسياسة المدن لا تحصل إلا بإصلاح جميع الأعضاء والأشخاص والطوائف في جميع الأوقات، فالسعيد المطلق من أصلح جميع صفاته وأفعاله على وجه الثبوت والدوام بحيث لا يغيره تغير الأحوال والأزمان، فلا يزول صبره بحدوث المصائب والفتن، ولا شكره بورود النوائب والمحن، ولا يقينه بكثرة الشبهات، ولا رضاه بأعظم النكبات، ولا إحسانه بالإساءة، ولا صداقة بالعداوة. وبالجملة لا يحصل التفاوت في حاله، ولو ورد عليه ما ورد على أيوب النبي عليه السلام أو على برناس الحكيم، لشهامة ذاته، ورسوخ أخلاقه وصفاته، وعدم مبالاته بعوارض الطبيعة، وابتهاجه بنورانيته وملكاته الشريفة. بل السعيد الواقعي لتجرده وتعاليه عن الجسمانيات خارج عن تصرف الطبائع الفلكية، متعال عن تأثير الكواكب والأجرام الأثيرية فلا يتأثر عن سعدها ونحسها، ولا ينفعل عن قمرها وشمسها. أهل التسبيح والتقديس لا يبالون التثليث والتسديس، وربما بلغ تجردهم وقوة نفوسهم مرتبة تحصل لهم ملكة الاقتدار على التصرف في مواد الكائنات، ولو في الأفلاك وما فيها، كما حصل لفحل الأنبياء وسيد الأوصياء صلوات الله عليهما وآلهما من شق القمر ورد الشمس.
وقد ظهر مما ذكر أن من من يجزع بورود المصائب الدنيوية، ويضطرب من الكدورات الطبيعية، ويدخل نفسه في معرض شماتة الأعداء وترحم