الأحباء، خارج عن زمرة السعداء، لضعف غريزته وغلبة الجبن على طبيعته، وعدم نبله بعد إلى الابتهاجات التي تدفع عن النفس أمثال ذلك.
ومثله لو تكلف الصبر والرضا وتشبه ظاهرا بالسعداء لكان في الباطن متألما مضطربا، وهذا ليس سعادة لأن السعادة الواقعية إنما هو صيرورة الأخلاق الفاضلة ملكات راسخة بحيث لا تغيرها المغيرات ظاهرا وباطنا.
بلغنا الله وجميع الطالبين إلى هذا المقام الشريف.
فصل غاية السعادة التشبيه بالمبدأ صرح الحكماء بأن غاية المراتب للسعادة أن يتشبه الإنسان في صفاته بالمبدأ: بأن يصدر عنه الجميل لكونه جميلا، لا لغرض آخر من جلب منفعة، أو دفع مضرة، وإنما يتحقق ذلك إذا صارت حقيقته المعبر عنها بالعقل الإلهي والنفس الناطقة خيرا محضا، بأن يتطهر عن جميع الخبائث الجسمانية، والأقذار الحيوانية، ولا يحوم حوله شئ من العوارض الطبيعية، والخواطر النفسانية، ويمتلئ من الأنوار الإلهية، والمعارف الحقيقية، ويتيقن بالحقائق الحقة الواقعية، ويصير عقلا محضا بحيث يصير جميع معقولاته كالقضايا الأولية، بل يصير ظهورها أشد، وانكشافها أتم، وحينئذ يكون له أسوة حسنة بالله سبحانه، في صدور الأفعال وتصير إلهية أي شبيهة بأفعال الله سبحانه في أنه لصرافة حسنة يقتضي الحسن، ولمحوضة جماله يصدر عنه الجميل من دون داع خارجي، فتكون ذاته غاية فعله، وفعله غرضه بعينه، وكلما يصدر عنه بالذات وبالقصد الأول فإنما يصدر لأجل ذاته، وذات الفعل وإن ترشحت منه الفوائد الكثيرة على الغير بالقصد الثاني وبالعرض.
قالوا وإذا بلغ الإنسان هذه المرتبة فقد فاز بالبهجة الإلهية، واللذة الحقيقية الذاتية، فيشمئز طبعه من اللذات الحسية الحيوانية، لأن من أدرك اللذة الحقيقية علم أنها لذة ذاتية، والحسية ليست لذة بالحقيقة لتصرمها ودثورها وكونها دفع وألم.
وأنت خبير بأن هذا التصريح محل تأمل لمخالفته ظواهر الشرع فتأمل.