محيطا بحقائق الأشياء متصلا بالملكوت الأعلى، ومن اجتماع عوالم السباع والبهائم والملائكة والشياطين فيه (80)، وإطاعة جميع الموجودات له، حتى السباع تخضع لديه والطيور تخفض أجنحة الذل بين يديه، ويستخدم الجن ويسخر الكواكب وروحانيتها، ومن عجائب عالمه الطبع الموزون والصوت الحسن، وعلمه بصناعة الموسيقى، واستنباطه أنواع صنائع الأرض، وقد يتعدى إلى عالم العجيبة والحرف الغريبة.
ومنها أمر الرؤيا وإخباره بالمغيبات لاتصاله بالجواهر الروحانية، وتأثيره في مواد الأكوان ينزع صورة وإلباس أخرى، فيؤثر فانقطاعه إلى الله في استحالة الهواء إلى الغيم ونزول الأمطار، وإزالة أنواع الأمراض، وإهلاك قوم وإنجائهم، وتمكنه من فعل أو تحريك يخرج عن وسع مثله، وإمساك عن القوت مدة غير معتادة، واقتداره على إظهار بدنه المثالي في مواضع مختلفة في وقت واحد، وإحضاره ما يريده من المطاعم والملابس، ومصاحبته مع الملائكة وأخذ العلوم. فانظر - يا أخي - إن كنت من أهل اليقظة إلى قدرة ربك العظيم حيث أودع جميع ذلك فيما عرفت حاله من النطفة السخيفة القذرة، وهذه النطفة هي التي قد تصير ملكا شديد الهمة والبطش مسخرا للربع المسكون، بحيث ينوط به انتظام النوع واختلاله، وقد يصير بحيث تظهر منه خوارق العادات وغرائب المعجزات في عالم الأرض، وقد يتعدى إلى عالم الأفلاك، فينشق القمر ويرد الشمس.
وليت شعري إن الناس كيف يتعجبون من صيرورة الميت حيا، مع أنه جثته كانت موجودة وإنما أفيض عليه مجرد حس وحركة، ولا يتعجبون من بلوغ قطرة ماء قذرة إلى المراتب التي عرفتها، وليس المنشأ لذلك إلا كثرة مشاهدتهم وتكرر ملاحظتهم له، مع أن هذا لا يدفع العجب والغرابة لو نظروا بعين العبرة والبصيرة، إذ منشأهما إما عظم الصنع وحسن الابداع، فهما في بلوغ النطفة إلى المراتب المذكورة أقوى وأشد من إحياء ميت، أو دلالة هذا الصنع والفعل على صانع حكيم وفاعل عليهم، فلا ريب أيضا في