التوسعة في الأموال والأولاد، بحيث يحصل لنفسه نوع إذعان لها، فتنبسط وتهتز. وهذا شر الوساوس وأردؤها، وربما كان المنشأ لبعضها نوع اختلال في الدماغ. وجميع الأنواع المذكورة بأقسامها مفسدة للنفس يحدث فيها نوع ذبول وانكسار ويصدها عما خلقت لأجله.
(ومنها) ما يرجع إلى التفاؤل، وهذا ليس مذموما. وقد ورد من رسول الله (ص): إنه يحب التفاؤل، وكثيرا ما يتفاءل ببعض الأمور.
(ومنها) الوسواس في العقائد، بحيث لا يؤدي إلى الشك المزيل لليقين، فإنه قادح في الإيمان كما تقدم. ومرادنا بالوسوسة وحديث النفس في العقائد هنا ما لا يضر بالإيمان ولا يؤاخذ به - كما يأتي -.
" تذنيب " قد ظهر مما ذكر: إن أكثر جولان الخاطر إنما يكون في فائت لا تدارك له، أو في مستقبل لا بد وأن يحصل منه ما هو مقدر، وكيف كان هو تضييع لوقته، إذ آلة العبد قلبه وبضاعته عمره، فإذا غفل القلب في نفس واحد عن ذكر يستفيد به أنسا بالله أو عن فكر يستفيد معرفة الله ليستفيد بالمعرفة حبا لله، فهو مغبون، وهذا إن كان فكره ووسواسه في المباحات، مع أن الغالب ليس كذلك، بل يتفكر في وجوه الحيل لقضاء الشهوات، إذ لا يزال ينازع في الباطن كل من فعل فعلا مخالفا لغرضه، أو من يتوهم أنه ينازعه ويخالفه في رأيه، بل يقدر المخالفة من أخلص الناس في حبه حتى في أهله وولده ثم يتفكر في كيفية زجرهم وقهرهم وجوابهم عما يتعللون في مخالفتهم، فلا يزال في شغل دائم مضيع لدينه ودنياه.
فصل المطاردة بين جندي الملائكة والشياطين في معركة النفس قد عرفت أن الوسواس أثر الشيطان الخناس، والإلهام عمل الملائكة الكرام. ولا ريب في أن كل نفس في بدو فطرتها قابلة لأثر كل منهما على التساوي، وإنما يترجح أحدهما بمتابعة الهوى وملازمة الورع والتقوى، فإذا مالت النفس إلى مقتضى شهوة أو غضب وجد الشيطان مجالا فيدخل بالوسوسة، وإذا انصرفت إلى ذكر الله ضاق مجاله وارتحل فيدخل الملك بالإلهام. فلا يزال التطارد بين جندي الملائكة والشياطين في معركة النفس.