وإما أن تجرد، وإذا أضيفت فإما إلى نكرة وإما إلى معرفة.
القسم الأول: أن تضاف إلى نكرة فيتعين اعتبار المعنى فيما لها من ضمير وغيره، والمراد باعتبار المعنى أن يكون على حسب المضاف إليه إن كان مفردا فمفرد، وإن كان مثنى فمثنى، وإن كان جمعا فجمع، وإن كان مذكرا فمذكر، وإن كان مؤنثا فمؤنث، ثم أورد لذلك شواهد من كلام الشعراء.
والقسم الثاني: أن تضاف لفظا إلى معرفة، فقد كثر إضافته إلى ضمير الجمع والخبر عنه مفرد، كقوله تعالى: (وكلهم آتيه يوم القيامة فردا) (1)، ونقل عن شيخه أبي حيان، قال: ولا يكاد يوجد في لسان العرب: كلهم يقومون، ولا كلهن قائمات، وإن كان موجودا في تمثيل كثير من النحاة، ونقل عن ابن السراج أن كلا لا يقع على واحد في معنى الجمع إلا وذلك الواحد نكرة، وهذا يقتضي امتناع إضافة كل إلى المفرد المعرف بالألف واللام التي يراد بها العموم.
والقسم الثالث: أن تجرد عن الإضافة لفظا فيجوز الوجهان، قال تعالى: (وكل أتوه داخرين) (وكل في فلك يسبحون) (2) وقال ابن مالك وغيره من النحاة هنا: إن الإفراد على اللفظ، والجمع على المعنى، وهذا يدل على أنهم قدروا المضاف إليه المحذوف في الموضعين جمعا، فتارة روعي كما إذا صرح به، وتارة روعي لفظ كل، وتكون حالة الحذف مخالفة لحالة الإثبات، قال: ومن لطيف القول في كل أنها للاستغراق سواء كانت للتأكيد أم لا، والاستغراق لأجزاء ما دخلت عليه إن كانت معرفة، ولجزئياته إن كانت نكرة، وفي أحكامها إذا قطعت عن الإضافة أن تكون في صدر الكلام، كقولك: كل يقوم، وكلا ضربت، وبكل مررت، ويقبح أن تقول: ضربت كلا، ومررت بكل، قاله السهيلي.
فهذا ما اختصرت من كلام الشيخ تقي الدين رحمه الله تعالى، ومحله مصنفات النحو.
قال ابن الأثير: موضع كل، الإحاطة بالجميع، وقد جاء استعماله بمعنى بعض، وعليه حمل قول عثمان رضي الله عنه حين دخل عليه فقيل له: أبأمرك هذا؟ فقال: كل ذلك - أي بعضه - عن أمري، وبعضه بغير أمري، قال: ومنه قول الراجز:
قال لها وقوله مرعي إن الشواء خيره الطري وكل ذاك يفعل الوصي (3) أي قد يفعل وقد لا يفعل، فهو ضد.
قال شيخنا: وجعلوا منه أيضا قوله تعالى: (فكلي من كل الثمرات) (4), (وأوتيت من كل شيء) (5) قال: وقد أورد بعض ذلك الفيومي في مصباحه، وأشار إليه ابن السيد في الإنصاف.
ويقال: كل وبعض معرفتان، ولم يجئ عن العرب بالألف واللام، وهو جائز، لأن فيهما معنى الإضافة أضفت أو لم تضف، هذا نص الجوهري في الصحاح.
وفي العباب: قال أبو حاتم: قلت للأصمعي في كتاب ابن المقفع: العلم كثير، ولكن أخذ البعض أولى من ترك الكل، فأنكره أشد الإنكار، وقال: الألف واللام لا تدخلان في بعض وكل، لأنهما معرفة بغير ألف ولام، قال أبو حاتم: وقد استعمله الناس حتى سيبويه والأخفش في كتابيهما لقلة علمهما بهذا النحو، فاجتنب ذلك، فإنه ليس من كلام العرب، وكان ابن درستويه يجوز ذلك، فخالفه جميع نحاة عصره، وقد ذكر في ب ع ض، قال: والذي يسامح في ذلك من المتأخرين يقول: فيهما معنى الإضافة أضفت أو لم تضف.
قال شيخنا نقلا عن أبي حيان، قال: ومن غريب المنقول ما ذهب إليه محمد بن الوليد من جواز حذف تنوين كل، جعله غاية كقبل وبعد، حكاه عنه أبو جعفر النحاس، وأنكر عليه علي بن سليمان، لأن الظروف خصت بعلة ليست في غيرها، وفيه كلام في همع الهوامع.