وهو من قوله تعالى: إن الله بالغ أمره (1).
وجيش بلغ كذلك، أي: بالغ.
وقال الفراء: رجل بلغ ملغ، بكسرهما: إتباع، أي خبيث متناه في الخباثة.
والبلغ بالفتح، ويكسر، والبلغ كعنب، والبلاغي مثل: سكارى وحبارى ومثل الثانية: أمر برح، أي: مبرح، ولحم زيم، ومكان سوى، ودين قيم، وهو: البليغ الفصيح الذي يبلغ بعبارته كنه ضميره، ونهاية مراده، وجمع البليغ: بلغاء، وقد بلغ الرجل ككرم بلاغة، قال شيخنا: وأغفله المصنف تقصيرا، أي: ذكر المصدر والمعنى: صار بليغا.
قلت: والبلاغة على وجهين (2):
أحدهما: أن يكون بذاته بليغا، وذلك بأن يجمع ثلاثة أوصاف: صوابا في موضوع لغته، وطبقا للمعنى المقصود به، وصدقا في نفسه، ومتى اخترم وصف من ذلك كان ناقصا في البلاغة.
والثاني: أن يكون بليغا باعتبار القائل والمقول له، وهو أن يقصد القائل به أمرا ما، فيورده على وجه حقيق أن يقبله المقول له.
وقوله تعالى: (وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا) (3)، يحتمل المعنيين، وقول من قال: معناه: قل لهم إن أظهرتم ما في أنفسكم قتلتم، وقول من قال: خوفهم بمكاره تنزل بهم، فإشارة إلى بعض ما يقتضيه عموم اللفظ، قاله الراغب.
وقرأت في معجم الذهبي، في ترجمة صحار بن عياش العبدي رضي الله عنه سأله معاوية عن البلاغة، فقال: لا تخسئ ولا تبطئ.
والبلاغ كسحاب: الكفاية، وهو: ما يتبلغ به ويتوصل إلى الشيء المطلوب، ومنه قوله تعالى: إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين (4)، أي: كفاية، وكذا قول الراجز:
* تزج من دنياك بالبلاغ * * وباكر المعدة بالدباغ * * بكسرة جيدة المضاغ * * بالملح أو ما خف من صباغ * والبلاغ: الاسم من الإبلاغ والتبليغ، وهما: الإيصال، يقال: أبلغه الخبر إبلاغا، وبلغه تبليغا، والثاني أكثر، قاله الراغب، وقول أبي قيس بن الأسلت الأنصاري.
قالت ولم تقصد لقيل الخنا * مهلا لقد أبلغت أسماعي هو من ذلك، أي: قد انتهيت فيه، وأوصلت، وأنعمت.
وقوله تعالى: هذا بلاغ للناس (5)، أي: هذا القرآن ذو بلاغ، أي: بيان كاف.
وقوله تعالى: فهل على الرسل إلا البلاغ المبين (6)، أي: الإبلاغ.
وفي الحديث: كل رافعة رفعت علينا، كذا في العباب، وفي اللسان: عنا من البلاغ فقد حرمتها أن تعضد، أو تخبط، إلا لعصفور قتب، أو مسد محالة، أو عصا حديدة، يعني المدينة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، ويروى بفتح الباء وكسرها، فإن كان بالفتح فله وجهان، أحدهما: أي ما بلغ (7) من القرآن والسنن، أو المعنى: من ذوي البلاغ، أي: الذين بلغونا، أي: من ذوي التبليغ وقد أقام الاسم مقام المصدر الحقيقي، كما تقول: أعطيت (8) عطاء، كذا في التهذيب والعباب، ويروى بالكسر، قال الهروي: أي: من المبالغين في التبليغ، من بالغ يبالغ مبالغة وبلاغا، بالكسر: إذا اجتهد في الأمر ولم يقصر، والمعنى كل جماعة أو نفس تبلغ عنا وتذيع ما نقوله، فلتبلغ ولتحك، قلت: وقد ذكر هذا الحديث في ر ف ع ويروى أيضا: من البلاغ مثال الحداث، بمعنى المحدثين، وقد أسبقنا الإشارة إليه، وكان على المصنف أن يورده هنا، لتكمل له الإحاطة.