فاقرأه على من قبلك من المسلمين، وادخل فيما دخل فيه المهاجرون والأنصار، فإن العمل الذي في يدك ليس لك بطعمة ولكن أمانة، وفي يدك مال من مال الله عز وجل، وأنت خازن من خزانه عليه حتى تسلمه إلي، ولعلي لا أكون أنسى ولايتك إن استقمت إن شاء الله ولا قوة إلا بالله. ثم طوى الكتاب وختمه ودفعه إلى رجل من أصحابه يقال له زياد بن مرحب الهمداني (1)، وأمره بسرعة السير إلى الأشعث.
قال: وكتب رجل من كندة من بني عم الأشعث (2): أما بعد! فإن بيعة علي بن أبي طالب أتتني فقبلتها ولم أجد إلى دفعها سبيلا، وإني نظرت فيما غاب عني من أمر عثمان فلم أجده يلزمني وقد شهده المهاجرون والأنصار، وكان أوثق أمورهم الوقوف، فالزم يا بن عم بيعة أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، فإنه أفضل من غيره، وقد قلت أبياتا فاسمعها. ثم أثبت في أسفل كتابه ما قاله من الشعر.
قال: فلما نظر الأشعث بن قيس في كتاب علي رضي الله عنه وقرأ شعر ابن عمه الكندي فنودي له في الناس، ثم خرج من منزله وأقبل فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى [عليه وصلى] على نبيه، ثم قال: إنه من لم يكفه القليل لم يستغن بالجزيل، وقد كان ابن عفان ولاني بلاد أذربيجان [وهلك] (3) وهي في يدي، وقد كان من أمر عائشة وطلحة والزبير ما قد بلغكم، وقد بايع الناس علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهو المأمون على ما قد غاب عنا وعنكم من الأمم، فما الذي عندكم من الرأي؟ فقال الناس بكلمة واحدة: سمعنا وأطعنا وعلي إمامنا، ما نريد به بدلا.
قال: ثم وثب زياد بن مرحب الهمداني رسول علي رضي الله عنه، فصعد المنبر، فحمد الله واثنى عليه ثم قال (4): أيها الناس! إن أمر عثمان بن عفان لا ينفع فيه العيان ولا يشفى منه الخبر، غير أن من سمع به ليس كمن عاينه، وإن الناس قد بايعوا عليا راضين به طائعين غير مكرهين، وحاربه من حاربه من أهل البصرة،