فقام إليه أبو بردة بن عوف الأزدي وكان ممن تخلف عنه فقال: يا أمير المؤمنين! أفرأيت القبيل الذين قتلوا يوم الجمل حول عائشة بماذا قتلوا؟ فقال علي رضي الله عنه: قتلوا بما قتلوا به شيعتي وعمالي بلا ذنب كان منهم إليهم، ثم صرت إليهم وأمرتهم أن يدفعوا إلي قتلة إخواني، فأبوا علي وقاتلوني وفي أعناقهم بيعتي ودماء قريب من ألف رجل من شيعتي من المسلمين فقتلوهم، أفي شك أنت من ذلك يا أخا الأزد؟ فقال قد كنت شاكا، والآن فقد عرفت واستبان لي خطأ القوم وأنك لانت المهدي المصيب.
قال: ثم نزل علي رضي الله عنه عن المنبر وركب فصار إلى جعدة بن هبيرة بن أبي وهب المخزومي فنزل عليه، قال: وأقبل إليه سليمان بن صرد الخزاعي (1) مسلما، فقال له علي رضي الله عنه: يا سليمان! إنك ارتبت وتربصت وراوغت وقد كنت من أوثق الناس في نفسي فما الذي أقعدك عن نصرتي؟ فقال: يا أمير المؤمنين: لا ترد الأمور على أعقابها، ولا توبخني بما قد مضى، واستبق مودتي يخلص لك نصيحتي، فقد تعذرت أمورا تعرف فيها عدوك من وليك، قال:
فسكت عنه علي.
فجلس سليمان بن صرد قليلا ثم نهض إلى المسجد الأعظم والحسن بن علي قاعد في المسجد، فقال: أبا محمد! ألا أعجبك من أمير المؤمنين وما لقيت منه على رؤوس الاشهاد من التبكيت والتأنيب؟ فقال الحسن: إنما يعاتب من يرجو مودته النصيحة، فقال سليمان: أما إنه قد بقيت (2) مواطن يتقصف فيها القنا وتتثلم فيها السيوف، ويحتاج فيها إلى أمثالي، فلا تستغشوا مودتي ولا تتهموا نصيحتي، فقال له الحسن: أي رحمك الله! ما أنت بالظنين.
قال: ثم جعل يدخل إليه رجل بعد رجل ممن كان قد تخلف عنه يوم الجمل، فإذا سلم عليه يقول له علي رضي الله عنه: وعليك السلام وإن كنت من المتربصين!
فلم يزل على ذلك من شأنه إلى أن جاءت الجمعة، فخرج فصلى بالناس، ثم بعث