السيد محسن كان جريئا وغير هياب فتحرك من دمشق وتحركت الجماهير لاستقباله ودعا السيد أبو الحسن إلى تبجيله وتكريمه فتضاعف الغرض وإذا به استقبال لم تشهد النجف نظيرا له اشترك فيه العلماء والفضلاء والتجار ومختلف الأصناف ودنا منه الشيخ كلو الحبيب وهو من وجوه الطبقات المسماة بالمشاهدة وهي الطبقات التي تمثل النجف بقوة السلاح دنا منه الشيخ كلو الحبيب وترامى على قدميه ثم اخذ يقبل يديه ويقول: لعن الله من غشني، ها هو ذا وجهك النوراني يشع بالايمان فاغفر لي سوء ظني فإنما الذنب ذنب أولئك المارقين المغرضين الذين قالوا عنك ما قالوا.
وكان وجه السيد محسن يشع بالايمان حقا فقد كانت له جاذبيته وسحره وكان ينم عن نفس وادعة بعيدة عن التعقيد لا غموض فيها ولا ابهام فلا يلبث ان يراه أحد حتى يحبه.
ونزل في النجف ضيفا على السيد أبو الحسن المرجع الديني الأكبر في النجف ثم انتقل بعد ذلك إلى بيت الشيخ خليل مغنية وقد زرت سماحته هناك وكان محله غاصا بطبقة كبيرة ممن كان قد تألب وألب الناس عليه ولكنه ما كاد يراه حتى ذاب أمامه كما يذوب الثلج امام صيف الشمس الحارة، وبالغ الحاضرون في استقبالي والعناية بي في مجلسه سترا لمواقفهم النابية وخوفا من أن أشير وانا العارف بفعلتهم إلى ما بذلوا من جهود ومساعي للنيل من السيد والحط من شانه وكان معظمهم من العامليين.
وبولغ في اكرام السيد محسن والحفاوة به وكثرت الولائم والدعوات التي أقيمت له وفرضت شخصيته المحترمة نفسها حتى على خصومه فبالغوا هم الآخرون في تكريمه وتبجيله ولم يخرج من النجف حتى سقط اسم العلويين والأمويين من الأفواه فلم يعد أحد يقسم الناس إلى قسمين.
واستعرض الكاتب بعد ذلك مقدمات جمع المعلومات لكتاب أعيان الشيعة وذكر شيئا عن تجوال السيد بين العراق وإيران وعدد النواحي الاصلاحية الأخرى التي برز فيها السيد حتى قال:
ولقد بلغ من اتجاه السيد محسن العاملي انه حمل عددا ممن عثر بهن الخط حتى أبحن عفتهن وتجردن من عصمتهن للرجوع إلى حظيرة العفة والتزام التوبة ثم دفع بهن إلى من هيا لهن زواجا فعشن شريفات ورزقن بأولاد صالحين ببركة مساعيه.
ثم استعرض الكاتب بعض مزاياه التي تعرف بها شخصيا إلى أن قال: وكان آخر رؤيتي له سنة 1939 حينما تفضل فشملني بالطافه برد الزيارة ولم أدر انني القي عليه نظرة لن تتكرر وانني أفارق وجها لن أسعد برؤيته ورؤية أمثاله مدى العمر.
في صميم معركة الاصلاح تجاوبت بثورة التنزيه انحاء العالم الاسلامي، وعمت دعوتها المسلمين في كل مكان، وترجمت إلى أكثر من لغة، ووجد فيها المخلصون فرصة ثمينة للتخلص من الشوائب والأباطيل، فأرادوها نقطة انطلاق نحو نهضة اصلاحية شاملة، كما وجد فيها الآخرون خطرا يهدد بعضهم بما هم فيه من جمود ورجعية، وبعضهم بما لهم من مصالح ومارب، وأصبحت البلاد الاسلامية تغلي غليانا بها، فكثرت الردود عليها وانهالت الهجمات على صاحبها، وصاحبها صامد كالطود مؤمن بانتصاره في النهاية، ونذكر ان فريقا من محبيه المخلصين هالهم أن يتعرض شخصه لمثل ما تعرض له فكتبوا إليه يرجونه بسحب الرسالة من المكتبات، واخفائها عن العيون إلى أن تهدأ الضجة، وتخمد العاصفة فكان جوابه ان ضاعف الكميات المطروحة وزود المكتبات بأكثر ما يستطيع تزويدها من النسخ، وقال لمن حوله: إذا كان لا بد من التضحية فاني لمغتبط ان يكون شخصي هو الضحية.
واننا للتاريخ لنورد هنا مثالا مما كان يدلي به خصوم الدعوة وأنصارها على السواء من حجج وبيانات مستشهدين بأقوال من حاولوا ان يناقشوا الموضوع ويردوا على الرسالة دون ان يوغلوا في الشتائم والسباب، ودون ان يعتمدوا على البذاءة وحدها...
فكان ممن أيد الدعوة بحماسة الكاتب الهندي محمد علي سالمين صاحب جريدة ديوائن ميسج التي تصدر في بومباي باللغة الإنكليزية، فكتب مقالا نشر باللغة العربية قال فيه:...
وكتب العلامة المجتهد الأكبر آية الله السيد محسن الأمين أيده الله كتابا رد به على من يضربون الصدور. والكتاب بصورة رسالة جمع فيها من الشارد والوارد إلى ما شاء الله على أن هذا العمل لم يأتنا من امام أو وصي بل هو بدعاية الجهلة بدعة ابتدعوها وكما قال النبي الكريم: كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار فبأي حديث بعده يؤمنون؟
ظنوا حب آل محمد بهذه الأعمال فهذا لعمري ليس حبا لأن من أحب شيئا اعزه واحترمه وهل اللطم والضرب والتشبيهات في الشوارع امام المجوس والوثنيين يدل على حبكم يا محبي آل محمد اليوم؟ انتهى.
ولم ينم أعداء الدعوة فتناوله منهم السيد نور الدين شرف الدين فرد عليه بمقال قال فيه:
لم يكن في الحسبان ان الشعائر الحسينية التي اتخذتها الشيعة سنة من عهد آل بويه إلى يومنا هذا تجعل مسالة نظرية تتضارب فيها الأفكار وتختلف الأنظار إذ لا شك في فوائدها التي تعود بالنفع العميم على هذه الطائفة وليت من ناقش في ذلك أدلى بحجة واضحة وبرهان قاطع لنتبعه فان الحق أحق ان يتبع.
وبعد ان يمضي الكاتب على هذا المنوال يعدد أسماء بعض المخاصمين لدعوة الاصلاح ويعدد أسماء كتبهم التي تخالف الدعوة وهم: عمه السيد عبد الحسين شرف الدين، وصهر عمه الشيخ عبد الله سبيتي، وابن عمه السيد محمد علي شرف الدين وقريب عمه الشيخ مرتضى آل ياسين. ثم الشيخ عبد الحسين الحلي والشيخ محمد حسين المظفر، يذكر هؤلاء ليدعم قوله بهم ثم يستشهد ببعض الأقوال إلى أن يصل إلى الرد الصريح على خصمه فيقول: