إما في يوم خيبر معجزات تخبر أو مناجاة الحباب أرادت كيده والله يأبى فجاء النصر من قبل الغراب فقلت هذا إشارة إلى قصة لم اطلع عليها. وبقي ذلك يحوك في نفسي حتى وردت النجف وكان هناك رجل يسمى:
الشيخ محمد اللايذ له اطلاع واسع على تواريخ أهل البيت ع ومناقبهم وعلى تواريخ العلماء واخبارهم لأنه يكثر المطالعة في الكتب المتضمنة لذلك فهو دائما في حجر بائعي الكتب يطالع فيها لا شغل له سوى ذلك وقد تلقى اخبار العلماء المتأخرين من أفواه الناس وإذا حضر مجلسا جعل يلقي من ذلك على أهل المجلس فيكون هو لا سواه محدثهم وكان فقيرا وعند صديقنا السيد حسين الصائغ مجلس ليلة الأربعاء تقام فيه ذكرى سيد الشهداء ويدعو فيه جماعة لتنال العشاء هو أحدهم على الدوام قد أوعز إليه صاحب المجلس بذلك فلا يحتاج إلى دعوة خاصة فسألته عن معنى البيتين فقال نعم وقف السيد الحميري بالمربد بالبصرة وهو محل اجتماع الناس وهو راكب على جواد ونادى من جاءني بمنقبة لعلي بن أبي طالب لم انظم فيها شعرا فله جوادي هذا فقال له رجل ما ذا نظمت في خبر الحية والغراب وروى له قصتهما فنزل السيد الحميري عن الجواد وأعطاه إياه وقد أشار الشريف الرضي في شعره إلى ذلك.
الخروج من بيروت ثم ركبنا البحر من بيروت في مركب تركي اسمه قيصري قاصدين إسكندرونة فاجتزنا بطرابلس واللاذقية وبقينا في البحر يومين وليلة وهاجت بنا المرة الصفراء هيجانا شديدا حتى اننا خرجنا من البحر ونحن كالأموات وبسبب ذلك تأخرنا عن صلاة المغرب أول الوقت فتعصب علينا قبودان المركب لظنه اننا شيعة وجاء يسألني عن سبب تأخير الصلاة عن أول وقتها فأخبرته بالعذر فلم يقنع بذلك وجعل يتجسس علينا وكانت معي رسالة للشيخ عبد الباسط الفاخوري مفتي بيروت وهي على مذهب الإمام الشافعي وكنت اقرأ فيها مرة فوقف من خلفي ينظر فيها خلسة لعله يجد فيها ما يوافق غرضه فلما رأى انها على مذهب الإمام الشافعي انصرف لكنه بقي على تعصبه واشتط علينا في اخذ الأجرة حين انزال ما معنا إلى الزورق ليوصله إلى إسكندرونة هذه حالة المسلمين في تعصبهم الأعمى الذي أدى إلى ضعفهم وصيرورتهم غرباء في أوطانهم.
في إسكندرونة وهي فرضة على البحر المتوسط ولها خليج جعل لها موقعا حربيا جيدا، واصل اسمها الإسكندرية نسبة إلى بانيها الإسكندر باني إسكندرية مصر فدخلناها بعد خروجنا من البحر ونزلنا في بعض خاناتها وأهلها سنيون وعلوية واشترينا اللحم وكنا إليه جد قرمين لما أصابنا في البحر من القئ المتواصل بسبب هيجان الصفراء فكنا كأننا لم نأكله من سنين. وفي اليوم الثاني ذهبنا إلى منبع مائها وهو غزير يفور من ارض سهلة وكان قد بني عليه بناء فتهدم وبقي بعض جدرانه واجتزنا في طريقنا إليه بحدائق وبساتين كثيرة تسقى من ذلك الماء فاغتسلنا وغسل النساء ثيابنا ثم عدنا إلى المنزل واخذنا في اليوم الثالث نسعى في تهيئة أسباب السفر.
إلى حلب ومن حيث إن معنا عدة نساء لم يعتدن ركوب الدواب ولا سافرن قبل هذا السفر صرنا نسأل عن كجاوات فلم نجد وطلبنا إلى النجارين عملها فلم يهتدوا إلى معرفتها لأنهم لم يروها ولا سمعوا باسمها قبل ذلك وقالوا لنا هل تريدون سمرا والسمر بالفتح قتب رحل البغل والبرذون وشبههما.
وانحصر الأمر في ركوب الدواب على السروج والجالات ولو كان ذلك شاقا مشقة شديدة على النساء. فذهبنا لاستئجار الدواب فطلبوا منا أربع مجيديات لكل دابة، وبينما نحن في غم من هذا الأمر إذ جاءنا رجل يعرض علينا الركوب في العربات فكانما نشطنا من عقال وكان ذلك الرجل يهوديا وهو مالك العربات ومعه سائق كردي فجعل اليهودي على عادتهم في المكر نفسه واسطة وادعى ان مالك العربات هو الكردي فاستأجرنا منه بنصف ما كنا نريد ان نستأجر به الدواب وسرنا على اسم الله أحسن مسير وكان ذلك بتوفيق الله وتيسيره وبعد ما قطعنا سهل إسكندرونة سرنا صعودا فاجتزنا ببلدة بيلان والماء يجري في جانبها ثم بتنا في خان يسمى قرق خان اي الخان الأربعون ثم بتنا في مكان على ماء جار فوق تخوت والماء يجري من تحتنا ومررنا بمكان فيه جاموس وأظنه سهل العمق.
في حلب ثم السفر إلى العراق ثم دخلنا حلب من باب الفرج وسألنا رجل على عادتهم في فضول الكلام من أين أقبلتم فقال له أحدنا من إسكندرونة فقال والى أين تذهبون فقال إلى الخان وتلقانا في باب الفرج المكارية العراقيون الذين حملوا الحجاج من العراق إلى حلب وكانوا يريدون العودة وليس لديهم ما يحملون على دوابهم وعرضوا علينا السفر معهم فقلنا لهم ان يأتوا إلينا ليتفق معهم فكان دخولنا من باب الفرج فالا طيبا وفرجا قريبا وذهبنا إلى خان يسمى خان موسى وهو خان نظيف ذو طابقين مبني من الحجر لا يدخله الدواب وسقوف طابقيه مقبية بالحجر أيضا فنزلنا في الطابق الثاني الأعلى. وذهبنا إلى مسجد زكريا وصلينا فيه والى الثكنة العسكرية مع بعض الجنود من أهل بلادنا وصعدنا إلى القلعة وهي على ربوة وفيها مسجد فيه ماذنة عالية فصعدنا عليها ورأينا حلبا كلها وبساتينها من الفستق وفي القلعة بئر بعيدة المدى يستقى منها على دابة وفيها أكوام من القنابل القديمة. وحضر إلينا المكارية فاكترينا منهم دابة الكجاوة بخمسة عشر مجيديا مع تحميل أربعين أقة بلا اجرة ودابة الركوب بعشر مجيديات مع تحميل ثمانين أقة بلا اجرة ومعهم عكامون كانوا مغتبطين ان يعودوا معنا بمؤونة بطونهم بدون اجرة والعكام هو من يقود الدابة التي عليها الكجاوة وأظنه مأخوذ من العكم وهو القبض بشدة على زمام الدابة أو لجامها، ومع العكامين جل لوازم السفر من خيام وقرب ومبارز وسوبيات ومناصب وفؤوس وغيرها فأخذناها بدون اجرة ولم يعوزنا غير المطرات والكجاوات اشترينا المطرات وذهبنا إلى الخانات نفتش عن الكجاوات فوجدنا في خان ثلاث كجاوات اثنتان جديدتان وواحدة عتيقة قد غمرها الزبل وتكسر أعلاها فسبق بعض رفقائي إلى الجديدتين فاشتروا إحداهما بليرة فرنسية ذهبا والأخرى بأربع مجيديات وبقيت الثالثة لم يقبلها أحد فاشتريتها بمجيديين وأصلح النجار أعلاها بزهراوي نحو ربع مجيدي فظهر انها خير الثلاثة لأنها عمل بلاد العجم متينة واسعة والأخريان عمل الكاظمية ضيقتان غير قويتين وجاء دور العكامين فاختار رفاقي منهم الشبان وبقي واحد يسمى الحاج فليح بتشديد