دمشق وذلك حوالي سنة 1339 بقي الجيش الانكليزي والأمير فيصل فيها سنة كاملة ثم خرج الإنكليز منها وبقي الفرنسيون في الساحل فقال الإنكليز لفيصل قد صارت المسألة عربية إفرنسية.
فذهبنا مع لفيف من العلماء والزعماء وبتنا في طريقنا مع اثنين من العلماء ورجل من الوجهاء في جباثا الزيت عند الوجيه سعيد العاص وهو رجل مضياف ذو كرم واكرام للضيف يندر وجود مثله. ثم دخلنا دمشق وهنانا الأمير فيصل. واجتمع جماعة من شبان محلة الخراب وطلبوا مني ان ادعوا فيصلا إلى وليمة يقيمونها له فذهبت إليه وقلت له ان أهل محلة الخراب يرغبون في أن تتنازلوا وتشرفوا محلتهم لوليمة غداء أو عشاء فقال انا عاتب على أهل الخراب قلت لما ذا قال لأنهم ما جاءوا للسلام علي فدهشت لمفاجأته لي بهذا الجواب ولم أكن اعرف انهم لم يجيئوا إليه قلت له على الفور قد جاءوا ولم يخبرك أحد بمجيئهم وقلت هؤلاء شيعة جدك فيلزم ان يكون لهم التفات خاص منك فقال شيعة جدي ولكن ما جاءوا لعندي فقلت له قد أخبرتك انهم جاءوا ولكن لم يخبرك أحد بمجيئهم. فأجاب إلى وليمة عشاء مع علمه بأنهم لم يجيئوا وان ما قلته مجرد عذر ولما كان قريب الغروب حضر بعربته وقد اصطف طلاب المدرسة له على الطريق صفين ورددوا النشيد وارتفعت السواريخ إلى عنان السماء فلما وصل إلى قريب المدرسة ترجل وقد زين الزقاق وفرش بأنواع الطنافس وخرجت لاستقباله وقد جئ بكبش فذبح فقلت له ان يمر فوقه ففعل ودخل المدرسة وقد زينت بأنواع الرياض والضياء فسر كثيرا وحضر وقت صلاة المغرب فطلب مكانا يصلي فيه ودعاني وأئتم بي وأراد رضا باشا الركابي ان يؤم فيصلي معه فقال له مكانك ونصبت المائدة وتعشى وتعشينا معه ولما أراد الانصراف قال لي من هو القائم بشؤون المدرسة فأخبرته انني القائم بشؤونها، وقال حقا لقد برهن أهل محلة الخراب على اخلاصهم في التشيع وأرسل في اليوم الثاني سبعين ليرة مصرية اعانة للمدرسة.
العودة إلى جبل عامل وبعد ما انقضت مراسم الملاقاة للأمير فيصل والسلام عليه التي حضرنا لدمشق لأجلها عدنا إلى جبل عامل ومعنا الشيخ شحاذة الغساني فبتنا في الليلة الأولى في خان ميسلون فوجدناه يعج عجيجا باللبنانيين العائدة إلى أوطانهم رجالا ونساء وأطفالا وبعد الجهد تمكنا من اخذ لحاف وفراش بالأجرة من صاحب الخان وبتنا بين تلك الجموع وفي الصباح توجهنا قاصدين أرض البقاع وقبل الوصول إلى قلابات عين فجور وجدنا الشمس قد مالت إلى الغروب وليس امامنا قرية يمكن الوصول إليها قبل الغروب ورأينا عن يمين الطريق بناء بين كرم العنب فسألنا عنه فأخبرنا انه خمارة يعصر فيها وأخبرنا ان عن يسار الطريق قرية تسمى الذنيبة تبعد عن الطريق مسافة ساعة ونصف ساعة فعرجنا عليها لنبيت بها في الليلة الثانية من خروجنا من دمشق وصلينا المغرب والعشاء على عين لها خارج البلدة ثم دخلنا البلدة فأبوا ان يضيفونا مع اننا لم نستطعمهم لأن طعامنا كان معنا فقصدنا أولا إلى دار شيخ البلد وهي أحسن دار فيها محكمة عالية الباب فقلنا لهم نريد المبيت عندكم فقد ولا نكلفكم عليق الدابة فقالوا عندنا مرضى فخرجنا إلى ساحة البلد وجل أهل القرية هناك فقلنا لهم كما قلنا لأهل دار الشيخ فلم ينبسوا ببنت شفة واخذوا يتفرقون فأغلظنا لهم في القول وقلنا لهم تذهبون إلى بلادنا بمواشيكم فنضيفكم ونحمل أثقالكم وأنتم الآن تأبون ان تعطونا مكانا نبيت فيه فلم يؤثر فيهم ذلك وتفرقوا وتركونا فجاءت امرأة ودعتنا إلى منزلها وقالت عندي مكان لمبيتكم ولمبيت الدابة وهي أرملة ذات أيتام فعجبنا من كرم أخلاق هذه المرأة المسكينة ومن لؤم أهل القرية فحضرنا إلى بيتها وأوقدت لنا نارا وجلسنا في ناحية من البيت وتعشينا وأعطيناها شيئا من الخبز والادام الذي معنا وجاءت لنا بشئ من الدبس الجامد الذي يصنع بتلك البلاد وأرسلنا إلى الحواط فاشترى شعيرا لعلف الدابة واتفقنا معه ان يذهب معنا صباحا إلى عديسة وقال إنه يعرف طريقا قريبا جدا يوصلنا إلى عديسة وكان لصاحبة المنزل جار كأنه أنف مبيتنا عندها فجاء واخذنا إلى بيته وكان فيه قريبا منا بعض البقر، وفي الصباح جاء الحواط فسار بنا على غير الجادة حتى أوصلنا عديسة في وقت قريب ووفيناه كراه وعاد إلى بلده وذهبنا نحن إلى شقرا وبقينا هناك ولا هم لنا ولا شغل في جميع أيامنا سوى المطالعة والتآليف والقضاء بين الخصوم وجوابات المستفتين ثم عدنا إلى دمشق.
تتويج فيصل ملكا على سورية في أثناء وجودي بدمشق توج الأمير فيصل ملكا على سورية فحضرت وهناته بالملك.
وفد جبل عامل لدمشق وبعد ما توج فيصل ملكا على سورية حضر اثنان من علماء جبل عامل ومعهما توكيل لي ولهما عن أهل البلاد في القيام بما يلزم لدى الملك فيصل.
ودخلنا على الملك فيصل فقال لي كيف الحالة عندكم فقلت انا قاطن هنا والجماعة عندهم الخبر وهم موفدون من قبل أهل جبل عامل لأخذ رأي جلالتكم فيما يصنعونه لأن أهل المنطقة الشرقية يقولون لهم إما ان تكونوا معنا أو علينا فقال بعد الغداء يأتيكم رأيي وكان قد دعانا إلى الغداء عنده فلما تغدينا خرج ثم دعانا إليه فقال إنكم سالتموني عن رأيي فأقول: ان أهل جبل عامل يعزون علي ولا أريد ان يصيبهم بسببي سوء فليلزموا السكون.
سفرنا من جبل عامل إلى العراق فإيران في سنة 1352 عزمنا على السفر إلى العراق من جبل عامل لتجديد العهد لزيارة مشاهد الأئمة الأطهار ع وزيارة مشهد الإمام الرضا ع في خراسان ولم نكن زرناه من قبل فخرجنا من جبل عامل في شهر شعبان المعظم من السنة المذكورة إلى دمشق وخرجنا منها أول يوم من شهر رمضان المبارك عند الضحى وفي مثل ذلك الوقت من اليوم الثاني وصلنا بغداد وصحبنا معنا مسودات أعيان الشيعة وهي ملء صندوق وكنا نقدر أن تكون اجزاؤه عشرة ثم ظننا انها ستكون عشرين ثم اعتقدنا انها ستبلغ الخمسين ثم ظهر لنا انها ربما تبلغ مائة مجلد وقد طبعنا منها 27 جزءا لا يقل الواحد منها عن 500 صفحة إذا ضم بعضها إلى بعض نسأله تعالى التوفيق لاكماله وطبعه. وكانت هذه الرحلة رحلة ميمونة مباركة استمرت نحوا من أحد عشر شهرا نصفها في العراق ونصفها في إيران وكنا لا نفتر فيها عن المطالعة والكتابة أينما حللنا واستفدنا فيها فوائد جليلة وجدناها في المخطوطات النفيسة في المكتبات ولئن بخل عنا البعض بما لديه فقد جاد علينا الكثيرون ومن بخل فإنما يبخل على نفسه والله مغن عنه ووفقنا في هذا السفر لاقتناء نسخة من رياض العلماء بعضها بالاستنساخ وبعضها