فانا محتاج إلى التأديب وهذا يدل على رجاحة عقل المأمون.
وضرب يوما المعلم بعض أولاد الكبراء على غير ذنب وهو يعلمه فسئل عن ذلك فقال أردت ان يعرف مرارة الظلم فلا يظلم أحدا. وكان المعتصم بن الرشيد شبه أمي يقرأ ولا يكتب لأنه كان عبد صغير يتعلم معه في الكتاب فمات العبد فقال له الرشيد مات غلامك قال نعم واستراح من الكتاب فقال له بلغ بك الحال من كراهة الكتاب ان تغبط غلامك على الموت لأنه استراح من الكتاب وأعفاه من الذهاب إلى العلم فخرج يقرأ ولا يكتب فلهذا لما كتب بعض العمال إلى المعتصم كتابا فيه لفظ الكلأ لم يفهم معناه فسال الوزير فلم يعرفه فقال المعتصم خليفة أمي ووزير عامي كيف تصلح على هذا حال فسال بعض الكتاب عنه ففسره فعزل الوزير واستوزر الكاتب وهذا يدلنا على مكانة العلم ومكانة الجهل فهذا بعلمه صار وزيرا وهذا بجهله عزل عن الوزارة. وكان الخلفاء والملوك يعتنون كثيرا بتعليم أبنائهم والأبناء يعظمون مشايخهم.
كان الأمين والمأمون يتعلمان النحو والأدب عند الكسائي وكان للرشيد عين عليه فقام الكسائي يوما ليخرج فتسابقا إلى تقديم نعليه فاصلح بينهما ان يقدم كل واحد فردا فأخبر العين الرشيد بذلك فأرسل إلى الكسائي وقال له من أعز الناس قال أمير المؤمنين قال لا بل أعز الناس من يتسابق أولاد أمير المؤمنين إلى تقديم نعليه فاعتذر إليه الكسائي فقال له الرشيد هذا يدل على حسن تأديبك إياهما. وهذا يدلنا على أن شرف العلم من شرف السلطان.
ومهما قلنا بقساوة التعليم في تلك الأعصار ولينها اليوم لا نستطيع ان نقول إن نتائج التعليم اليوم الأخلاقية والدينية تعادل نتائجه في تلك الأعصار.
نموذج من طريقة التعليم في العصر السابق يبدأ الطفل بقراءة الحروف الهجائية حتى يحفظها ثم يأخذ في تعلم المنقوط وغير المنقوط وعدد نقط الحروف فيقول أ لا شئ عليه ب نقطة من تحت ت نقطتان من فوق ث ثلاث نقط من فوق وهكذا ثم في معرفة الحركات والسكون فيقول ألف أ نصب ألف إ خفض ألف أ جزم وهكذا إلى الآخر ثم الباء وباقي الحروف بهذا الترتيب ثم الفتحتان والكسرتان والرفعتان بهذا الترتيب لكنهم لا ينطقون بما يدل على ذلك بلفظ صحيح ويسمون الكسر خفضا والضم رفعا والسكون جزما.
ومن العادة التي كانت متبعة أحيانا انه إذا وصل الطفل إلى سورة الضحى فعليه ان يأتي إلى الشيخ بشئ من بيض الدجاج أقله خمس أو ست وأكثره عشر ليقلى بمناسبة قوله تعالى في هذه السورة ما ودعك ربك وما قلى. وإذا وصل إلى عم عليه ان يأتي بغمة إن كان موسرا وهي عبارة عن الكرش و الرأس والأكارع من الذبيحة بمناسبة قرب لفظة عم من غمة وكل ذلك كقرب زياد من آل حرب. فإذا ختم القرآن زفه الأطفال إلى بيت أهله فاطعموهم الحلوى وسقوهم الماء والسكر.
الحرب بين روسية والدولة العثمانية وفي حوالي سنة 1290 كانت الحرب بين روسية والدولة العثمانية وانا في سن الطفولة ووقع الناس في شدة وضيق وأخيرا غلبت الدولة العثمانية ودخل الروس بحر استانبول فردهم أسطول الإنكليز واخذ الإنكليز مقابل ذلك جزيرة قبرص وأعلنت الدولة العثمانية افلاسها وطبعت ورقا للمعاملة كان يسمى قوائم.
تعلم علمي النحو والصرف بعد ما ختمت القرآن وتعلمت الكتابة شرعت في قراءة علم النحو وتعلم إجادة الخط فابتدأت بحفظ متن الأجرومية واعراب أمثلتها غيبا كما هو المألوف فأول ما يبدأ به اعراب البسملة ويقال عنه اعراب لفظ الجلالة وعلامة جره كسر الهاء تأدبا وفي غيره يقال وعلامة جره كسر آخره ثم باعراب الكلام هو اللفظ المركب المفيد بالوضع وعند تعداد حروف الجر يذكر لكل واحدة مثال ويعرب وعند ذكر النواصب كذلك وعند ذكر الجوازم كذلك والمثال قد يكون جملة مختصرة مثل سرت من البصرة وقد يكون آية قرآنية مثل وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وقد يكون بيتا من الشعر أو شطر بيت مثل: وإذا تصبك خصاصة فتجمل عند عد إذا من الجوازم في الشعر خاصة وأول البيت: استغن ما أغناك ربك بالغنى ويعد صاحب الأجرومية من النواصب كي ولام كي مع أن اللام إذا دخلت على كي فالناصب كي واللام جارة ويعد من الجوازم لم ولما وأ لم وأ لما وفيه خطا ظاهر.
وكان شيوخ العشيرة أمثال السيد عباس مرتضى والسيد محمد حسين احمد والسيد محمد حسين عبد الله وغيرهم يكتبون لي الدروس واعراب أمثلتها فاحفظ ما أمكنني حفظه درسا أو درسين غيبا وأتلوه على مستمع واشتغل بعض الوقت بتعلم حسن الخط وعند العصر لا بد لي كل يوم من قراءة الماضي من الدروس غيبا التبقي ثابتة في الذهن لكن بدون مستمع وكنت اقرأ الماضي كل يوم في دارنا وفيه محلان للسكنى الوالدة مع الأخوات في محل وانا في محل وحدي اتلو فيه الماضي من الدروس كما انزل حتى إذا وصلت إلى النواصب وهي عشرة والجوازم وهي ثمانية عشر يأخذني الملل من اعراب أمثلتها الكثيرة الطويلة وقد سبقها حروف الجر وحروف القسم واعراب أمثلتها الطويلة فاقتصر من النواصب والجوازم على سرد أسمائها دون ذكر أمثلتها واعرابها واجعل كل مضارع منها كأنه قد مضى قبل ان تلقى عليه الجوازم على حد قول المتنبي. فينقص من المدة أكثر من نصفها وكنت اعلم اني إذا خرجت من البيت قبل انتهاء المدة المعتادة لقراءة الماضي تعلم والدتي اني لم أتم قراءته فابقى في البيت ساكتا فاسمع والدتي تقول لأحدى أخواتي ان تنظرني أ أقرأ الماضي أم لا فإذا قاربت البيت رفعت صوتي بالقراءة فإذا عادت سكت حتى ينقضي الوقت فاخرج.
وفي بعض الأيام ضاعت مني الأجرومية الوحيدة النسخة فكانت المصيبة بها جلى ولا كمصيبة صاحب المغني بالمغني حين سقط منه في البحر في سفره إلى الحج لكن صاحب المغني أعاد كتابته من حفظه إما انا فلم يكن ذلك باستطاعتي ولا أتذكر الآن ما صنعته لتدارك ذلك أوجدتها بعد ضياعها أم استغنيت عنها وكتب لي ما بقي منها وكيف كان فقد طويت مرحلتها وانتقلت إلى مرحلة ثانية:
وهي الشروع في قراءة قطر الندا وبل الصدا لابن هشام الأنصاري في النحو وفي قراءة شرح سعد الدين التفتازاني على متن عزي في التصريف