والجرأة فصرخ بالناس وهاجهم ضد السيد محسن الأمين، وانقسم الناس إلى طائفتين على ما اصطلح عليه العوام: علويين وأمويين وكان الأمويون هم اتباع السيد محسن الأمين وقد كانوا أقلية لا يعتد بها وأكثرهم كانوا متسترين خوفا من الأذى.
واتخذها البعض حجة لمهاجمة أعدائهم واتهامهم بالأموية وكثر الاعتداء على الاشخاص وأهين عدد كبير من الناس، وضرب البعض منهم ضربا مبرحا وبلغت جرأة السيد صالح ان تطاول على السيد أبو الحسن وتناول السيد محسن.
وبدافع اعجابي بالسيد محسن وانطباعاتي عنه منذ الصغر وايماني بصحة دعوته أصبحت أمويا وأمويا قحا في عرف الذين قسموا الناس إلى أمويين وعلويين، وكنت شابا فائر الدم كثير الحرارة فصببت حرارتي كلها في مقالات هاجمت بها العلماء الذين خالفوا فتوى السيد أبو الحسن والذين هاجموا السيد محسن الأمين ولما كنت يومذاك موظفا فقد نشرت مقالاتي في الجرائد بتواقيع مستعارة وتبعني في عملي هذا عدد من الأمويين ثم ما لبثنا ان تعارفنا نحن الأمويين وكان المرحوم الشيخ محسن شرارة في الطليعة، ولست أذكر مما مر الا انني أحسنت الدفاع عن السيد محسن بقلمي ولساني حتى هددت بالقتل والاعتداء.
وكنت أجد في كثير من الأحيان رسالتين وأكثر قد القي بها تحت الباب تتضمن إلى جانب التهديد بالقتل شتائم عجيبة غريبة فكنت أسعى لالتقاطها قبل ان يعرف أحد عنها شيئا ذلك لأن لي أما ملتهبة العاطفة اخشى ان يصل إليها خبر التهديد فتجن وتنغص علي حياتي، وكان لي من حسن الحظ من يدفع عني الشر رغم كونه من العلويين، ومن الحق ان أشير إلى المجتهد الكبير الشيخ عبد الكريم الجزائري فقد كان ممن ذب يوم ذاك هو والزاهد التقي المرحوم الشيخ علي القمي والعالم المعروف الشيخ جعفر البديري عن السيد محسن، ولكن التيار كان جارفا والقوة كلها في جانب العلويين وكانوا يتفننون في التشهير بالذين سموهم بالأمويين! ولا تسل عن عدد الذين شتموا وضربوا وأهينوا بسبب تلك الضجة، وكان السبب الأكبر في كل ذلك هم العامليون الذين كانوا يسكنون النجف طلبا للعلم وكان معظمهم من مخالفي السيد محسن.
وممن دافع عن السيد محسن خارج النجف كان المرحوم السيد مهدي القزويني في البصرة وكان السيد هبة الدين الحسيني الشهرستاني في بغداد الذي ساعدنا نحن الذين تولينا الكتابة والدفاع عن السيد كثيرا، على أن دفاع هؤلاء لم يكن مستغربا يوم ذاك كما كان دفاع المرحوم الشيخ علي القمي ودفاع المرحوم الشيخ جعفر البديري لبعدهما عن روح التجدد، وقد اثار هذان الأخيران في ذبهما عن السيد محسن دهشة الأوساط.
وقد استطاع السيد محسن ان يوجه مساعيه توجيها عمليا فيحول بين أرباب المآتم الحسينية والمواكب وبين القيام بآية حركة تتنافى والشريعة الاسلامية حتى الخطباء فقد استطاع ان يسيطر عليهم ويحصر خطبهم ضمن دوائر معينة من الموعظة والارشاد وقراءة سيرة الحسين وتاريخ شهادته بعد إن كانت الفوضى عملت عملها حتى بلغ من تصرف الخطباء ان يرووا على منابر الحسين اخبارا وروايات هي أقرب للكفر منها إلى الاسلام عند علماء الشيعة.
إما النجف وسائر المدن الأخرى فقد قابلت دعوة السيد محسن برد فعل قوي شديد ظهر اثره في أول شهر محرم جاء بعد الفتوى فقد ازداد عدد الضاربين بالسيوف والسلاسل وازداد استعمال الطبول والصنوج والابواق وكثرت الأهازيج والأناشيد التي تتضمن النقمة والتحدي لتلك الحركة الاصلاحية وخاف الأمويون على حد تعبير الناس وانسحب الكثير منهم من الميدان.
وبلغ السيد محسن خبر هذه الضجة كما بلغه خبر الذين ذبوا عن رأيه ودافعوا عن حركته وظهر لي من شكره لي وثنائه علي في أول التقائي إياه انه كان يعرف كل شئ عن الحركة.
وأصدرت جريدة الفجر الصادق وكنت فيها جريئا على قدر ما تستدعيه حرارة الشباب واندفاعه وكانت لي مع السيد صالح الحلي مواقف مشهودة استطعت ان انتقم منه للاصلاح ولم أبال بالتهديد والوعيد وكان المرحوم الحاج عطية أبو كلل يؤيدني في موقفي لعدة أسباب أهمها كونه من مقلدي السيد أبو الحسن ثم ارتباط أسرته بأسرتي ارتباطا قديما، هذا إضافة إلى اتفاقي والحاج عطية ببث الدعوة لحمل اتجاه مواكب الأنصار إلى النجف في يوم وفاة النبي ص تلك الحركة التي كان هو وحده بطلها وقد نجحت ومنذ ذلك اليوم والمواكب تقصد النجف في يوم وفاة النبي من كل سنة.
فكان كل هذا سببا لوقوف جريدة الفجر الصادق في وجه السيد صالح الحلي وقوف من لا يخشى شيئا ولا يخاف أمرا ولكي تتم الحملة بالنجاح ويتم الانتقام لدعوة السيد محسن الاصلاحية قامت جريدة الفجر الصادق بالدعوة للخطيب الأستاذ الشيخ محمد علي اليعقوبي وكان يومذاك يسكن في الجعارة الحيرة ولاقت الدعوة لليعقوبي اقبالا بالنظر لما كان يتمتع به من مواهب أدبية وملكات ممتازة وكثر على مرور الزمن التلذذ بمنبر اليعقوبي وبان اثر الانكسار على السيد صالح جليا وتشجع أنصار الحركة الاصلاحية بالظهور ولم يعد يتردد اسم الأمويين كثيرا كما كان يتردد من قبل.
وزرت دمشق مصطافا لأول مرة وكان أول عمل عملته هو زيارة السيد محسن وكان يسكن بيتا إلى جوار المدرسة المحسنية وجاء ذكر الحركة الاصلاحية فأفاض كثيرا في وصف العلل والفوضى التي تعم الناس وقال إن الامر بحاجة إلى أيد فعالة تنشل هؤلاء الجهلاء من جهالتهم وأذكر فيما أذكر أنه قال لي ما مضمونه: ان السيد صالح الحلي هو أحسن خطيب عرفته المنابر الحسينية وانا أود ان نعد الخطباء على غراره إذا ما أردنا ان ننبه الناس ونوجههم توجيها صحيحا إما موقفه ضد الحركة الاصلاحية وضدي انا فله تفاسير أخرى لا يجوز ان تصدنا عن قول الحقيقة.
إلى أن قال الأستاذ الخليلي:
وجاءت الاخبار تنبئ ان السيد محسن قادم إلى العراق فاختلف انصاره في امره فمنهم من رجح مجيئه ومنهم من لم يرجح ذلك لأن الفتنة لم تكن قد خمدت بعد تماما وان رد الفعل وان بدا أخف من السابق ولكنه كان لا يزال غير مستهان به وكتب البعض إلى السيد محسن بتأجيل قدومه ولكن