خالق الثور بالثاء المثلثة فقال لي لا يمكن هذا فان الثور ليس من مخلوقات الله العجيبة ويوجد أعجب منه فقلت هكذا مكتوب فاخذه إلى شخص هو دوني في قراءة الخط الكوفي بمراتب فقال له مكتوب عليه سبحان خالق النور بالنون فعاد إلي وأخبرني بذلك فقلت له انا أخبرتك باني اقرأ الخط الكوفي ولم أخبرك باني حاد الفهم وهذا أمر يرجع إلى الفهم لا إلى المعرفة بالخطوط. وطلبت منه وانا بالشام ان يرسل لي وزن الدينار الشرعي الذي هو مثقال شرعي ويوازن الذهب الصيني المسمى في العراق أبو لعيبة، فأرسل لي انه يوازن نصف ليرة عثمانية ذهبية وأرسل لي قطعة قال إنه وزنها عليه فوجدتها كذلك.
ومن نوادره قال لقيني رجل في الصحن الشريف فقال لي سلام عليكم فنسيت جوابها وقلت في نفسي جوابها صبحكم الله بالخير لا.
هناكم الله لا. فوضعت يدي على صدري وذهبت.
الشيخ محمد الحكاك وكنا ندرس يوما في ايوان في الصحن الشريف وفي جانب الايوان رجل يسمى الشيخ محمد الحكاك تمتام يفسر الأحلام ويحفر الأختام وتعبير الحلم يكون بربع إستانبولية سكر نبات فجاءه معيدي وأعطاه متليكا ليحفر له ختما فسأله عن اسمه فقال له حنتوش بن عنكوش والظاهر أنه نسي الاسم فحفر له اسم منتوش بن منكوش وجاء المعيدي واخذ الختم وأعطاه لمن طبعه له على الكاغد وقرأه له فإذا فيه غير اسمه واسم أبيه فرجع على الشيخ محمد وقال لما ذا حفرت لي غير اسمي واسم أبي فقال أنت قلت لي هكذا قال لا لم أقل. وبالطبع كان المعيدي اعرف باسم نفسه واسم أبيه من الشيخ وطال الجدال بينهما إلى أن قال المعيدي أنت يا شيخنا ما أدري كيف تتكلم لأنه تمتام فقال له الشيخ ويلك انا اسمع باذني لا بفمي وأخيرا أذعن الشيخ للأمر الواقع ومسح الكتابة الأولى بالمبرد وحفر ثانيا حنتوش بن عنكوش وكفى الله المؤمنين الجدال.
الشيخ جواد البلاغي وكان الشيخ جواد البلاغي الفاضل المشهور يجلس إلي كثيرا فقال لي يوما انا أريد ان أصحبكم وكنا جماعة من العامليين اخوان الصفا نجتمع سفرا وحضرا ولا نخالط أحدا لا من بقية العامليين ولا من غيرهم فقلت حتى اعرض ذلك على أصحابي فعرضته عليهم فأبوا وقالوا لا نريد ان نخالط غيرنا فقلت لهم زهدكم في راغب فيكم كرغبتكم في زاهد فيكم فقبلوا واردنا السفر لزيارة كربلاء فسافر معنا وكان الفصل شتاء فشربنا الشاي مساء وقمنا أول الفجر فصلينا وتهيانا للسفر فقال لي ما تريدون شرب الشاي قلت لا وكان معتادا على شرب الشاي صباحا ومساء وانا حملت سؤاله على الاستفهام الحقيقي قياسا على نفسي فسكت وسرنا فلما كان عند العصر دنا مني وقال أ تدري ما صنعت بي انني لم أعد انظر ببصري فقلت أنت صنعت بنفسك هذا فلما كان اليوم الثاني سألني فقلت نعم.
وعجبت كيف يدع الإنسان العادة تملكه وتحكم عليه ولا يدع نفسه حرا طليقا لا يحكم عليه أحد باختياره.
وكنت يوما في السفينة في طريق كربلاء مع جماعة من طلبة الإيرانيين فقال أحدهم العامليون يأكلون اللحم الني فقلت اكله خير من اكل السمك المقدد المتروك أياما حتى ينتن وذلك انهم يأتون بصغار السمك فيملحونه حتى ينتن فإذا وضعت المائدة اتوا بيسير منه في اناء صغير ووضعوه على المائدة وتناولوا منه أثناء الأكل والمائدة التي ليس عليها منه تعد ناقصة وفي الحب خشبة إذا أرادوا الأخذ منه حركوا ما فيه بتلك الخشبة حتى يختلط ثم أخذوا منه واتفق ان ضافهم رجل فقام ليلا لقضاء الحاجة فلم يهتد إلى بيت الخلاء ودنا من حجرة صغيرة فشم منها رائحة نتنة فظنها بيت الخلاء فدخلها فلم يجد محلا للتخلي ورأى حبا صغيرا والرائحة الكريهة تتصاعد منه فظنه محل التخلي فتخلى فيه وفي الغد جئ بالسفرة وذهب رجل إلى ذلك الحب وضرب فيه بتلك الخشبة حتى اختلط وجاء بشئ منه ووضعه إلى السفرة كالعادة وتناول منه الحاضرون أثناء الأكل فلما قلت ذلك ضحك الجميع الا واحدا أصفر وجهه فقالوا لي هذا جرى في رشت وهذا الشيخ رشتي.
الزكرت والشمرت طائفتان في النجف بينهما عداوة قديمة سببها ان سيدا كان يسكن الرحبة بضم الراء مكان خارج النجف فيه عيون وله أخت اسمها أم السعد خطبها خاطب فلم يزوجها فشكا امره إلى الشيخ جعفر الفقيه النجفي الشهير فأرسل جماعة لياتوه بالسيد فنهاه صاحب مفتاح الكرامة وقال إن أرسلتهم لتقعن فتنة يطول أمدها فلم يقبل واتوا إلى السيد فامتنع عن الحضور معهم وأرادوا أخذه قهرا فانتهى الأمر إلى قتله وبقيت هذه الفتنة إلى دخول الإنكليز العراق وخربت الدار التي كانت تسكنها أم السعد وبقيت خرابا إلى عصرنا وأهل النجف يسمونها خرابة أم السعد وبلغني انها عمرت في هذه الأيام.
والنجف فيها أربع محلات محلتان يقطنهما الزكرت العمارة والحويش ومحلتان يقطنهما الشمرت البراق والمشراق. ولا تزال تقع بينهما ثورات وحروب ووقع بينهما حرب أوائل مجيئنا للنجف ولا أتذكر الآن في اي سنة كان وسببها ان الشمرت أكثرهم يسكنون خارج النجف والزكرت جلهم يسكن النجف فجاء الشمرت ليلة يدفنون ميتا لهم في وادي السلام مقبرة النجف فعلم بهم الزكرت فخرجوا لمنعهم وكان شاب من الزكرت أراد الخروج فتعلقت به أمه فأفلت منها وخرج مع القوم فقتل وذلك قبيل الفجر وعاد الزكرت حينئذ ودفن الشمرت ميتهم وعادوا وفي اليوم الثاني عاد الشمرت وهجموا على السوق وكان السيد محمد علي الملقب بطبار الهوى رئيس زكرت العمارة جالسا في المقهى فولى هاربا والتقيت به وهو يركض حافي القدمين نحو محلته وثارت من الشمرت بعض الطلقات فخاف الناس وأغلقوا دكاكينهم وحوانيتهم بسرعة واستولى عليهم الخوف والذعر وتجمع الفريقان وتحصنوا وأغلق الكليتدار أبواب الصحن الشريف لئلا يدخله أحد الفريقين ويصعدوا إلى المآذن ويطلقوا الرصاص منها فإنها أعلى مكان في البلد ومن صعد إليها تكون له الغلبة وبقي الحال على ذلك أياما وبتنا في بعض الليالي والرصاص يمر فوق رؤوسنا وكان الفصل صيفا وكنا أولا على السطح فلما سمعنا أزيز الرصاص يمر فوق رؤوسنا نزلنا إلى صحن الدار وجعل الرصاص يمر فوق رؤوسنا فانتقلنا إلى الايوان إما الحكومة فغاية عملها ان تغلق السراي ويدخل العسكر القشلة وتغلق أبوابها وأرسل القائمقام تلغرافا إلى بغداد بواقعة الحال فحضر ميرالاي اسمه شعبان باشا ومعه طابور عسكر وكان الشمرت قد انسحبوا قبل حضوره لكن الصحن بقي مغلقا فلم يفتح الا بعد حضوره وجعلت الدورية تدور في الصحن وكنا نجلس في جهة باب