سمعت به ولا سبق للشيخ محمد سلامة شئ من هذا القبيل مع كثرة تردده إلينا في النجف ونزوله عندنا فعلمت ان ذلك بتيسيره تعالى وبقيت مترقبا لأن اعرف الحاج حسين مقداد من هو وتيقنت ان لله به عناية حيث اجرى فرجنا على يده ولما حضرت إلى جبل عامل وكنت في النبطية جاء جماعة فقالوا عن أحدهم انه الحاج حسين مقداد فأجلسته إلى جانبي وقلت له أ لا تكلفني بحاجة اقضيها لك قال أريد ان تشتري لي صحيفة سجادية وكانت معي صحيفة طبع تبريز وهي أحسن طبعة وأصحها فأعطيته إياها.
ثم توفي الوالد في النجف سنة 1315 كما مر واوصى ان يدفن في الصحن الشريف فدفناه فيه في الجهة الشرقية الجنوبية وكان له في نفسي حزن عميق.
في الكوفة ذهبت مرة إلى الكوفة لترويح النفس أياما ومعي رجل من أفاضل العامليين فلما وصلنا المسجد قلت له أنت اعط المكاري اجرته لأذهب انا وأهئ حجرة نبيت فيها فذهبت وهيأت الحجرة فوجدت المكاري وصاحبي واقفين فقلت لم لم تعطه اجرته ليذهب فقال المكاري يا أغاتي هذا السيد يحشي اي يحكي بالنحوي وانا بالنحوي ما افهم. وانما الأجرة أربعة متاليك.
في بساتين السهلة وفي بعض السنين مرضت العيال مرضا عجز عن مداواته الأطباء وكان ابنها الكبير رضيعا واستمر بها المرض وصار العزم ان نذهب بها إلى خارج النجف لتغيير الهواء فذهبنا إلى بعض بساتين السهلة وهو لرجل اسمه عبود وزوجته اسمها سكينة وهي صديقة عيالنا المخلصة فرحمك الله يا سكينة ورضي عنك ورحمك الله يا عبود وجزاكما الله عنا خيرا وذلك في فصل الصيف وانا لا يمكنني ترك الدرس ولا ترك العيال وكيف الجمع بينهما فتركت عندها بعض بني عمنا في النهار ليأتي بلوازمها من الكوفة وعندها أيضا سكينة ونساء صاحب البستان وكنت أصلي الفجر ثم اذهب راجلا إلى النجف لأنه لا يوجد في ذلك الوقت دواب فاصل النجف عند طلوع الشمس والمسافة تزيد عن ساعة ونصف فاحضر الدرس الذي هو في ذلك الوقت عند الشيخ آقا رضا الهمذاني في صلاة الجماعة ثم يقرأ عندي تلاميذي دروسهم وإذا كان لي حاجة في البيت أو السوق أتيت بها وعدت عند العصر راكبا لأن الدواب في ذلك الوقت موجودة وبقيت على هذه الحال أياما عديدة وجئت يوما إلى المسجد لحضور الدرس وعلي آثار التعب فسألني الشيخ فأخبرته انني كل يوم أحضر صباحا من بساتين السهلة إلى هنا فقال لكل شئ آفة ولطلب العلم آفات.
في مسجد السهلة وذهبنا إلى مسجد السهلة ونحن جماعة في فصل الشتاء للترويح عن النفس أياما فوصلنا عند المغرب ولم نجد حجرة خالية وعلمنا انه يوجد حجرة اقفلها حادم أعجمي وهي خالية فسأله السيد علي ابن عمنا السيد محمود عنها فأنكر فهدده وتناوله بالضرب ففتحها ودخلناها ودخل معنا فاكل وشرب الشاي ومما قاله لي تلك الليلة ان العربي والعجمي لو طخا في قدر واحدة لم يختلط دهن أحدهما بدهن الآخر فعجبت من تغلل العداوة إلى هذا الحد.
وكنا نجلس ليلا نتسامر فاقرأ لهم بعض الأشعار التي اوردها صاحب أمل الآمل في كتابه مثل قول بعضهم في رثاء عالم: وبالرغم مني قدس الله روحه فيضحكون ويأنسون.
وجئنا يوما بسمن من الكوفة على ورقة مطبوعة باللاتيني فامتنع بعض الرفاق من الأكل مما طبخ بذلك السمن فقلت له كيف تأكل السكر ولا تأكل هذا فقال ذلك لم تره عيني وهذا رأيته ثم اخرج من القدر شيئا من اللحم وغسله واكله وهكذا يكون الجمود.
الزاعم انه لا حاجة إلى علم الأصول وكنا يوما في مسجد السهلة وفيه بعض العامليين ممن يدعي الفقاهة وهو بعيد عنها فبال صبي في المسجد فاخذ ذلك الرجل ماء وصبه فوق البول فقلت له زدت في نجاسة المسجد فقال في بعض الروايات ان النبي فعل هكذا فقلت له هذه رواية شاذة لا عامل بها ودعوت من اخذ ذلك فطهره في الحوض واعاده إلى المسجد.
وهذا الرجل كان يزعم أنه لا حاجة إلى علم الأصول ويكفي مراجعة الأخبار لأن الأخبار عربية ونحن عرب. وأراني مرة تأليفا له في الفقه وقال مثل هذا القول فقلت له إذا وصلت إلى خبر فيه صيغة افعل وقد اختلف فيها الأصوليون على أقوال وأنت لم تحققها في الأصول فعلى اي شئ تحملها فقال أحققها حين وصولي إليها فعلمت انه يهرف بما لا يعرف وانه لما فاته تحقيق علم الأصول أراد ان يتملص من عيب ذلك فادعى عدم الحاجة إليه وهكذا يفعل الجهل باهله.
ونظير هذا الرجل عاملي آخر هو رفيقه وعلى مشربه كان يقول أيضا بعدم الحاجة إلى علم الأصول فرآني يوما أريد ان اشتري حاشية ميرزا موسى على الرسائل فجعل يقلب يديه متعجبا ويعقد وجهه ويقول اي حاجة لهذا فقلت له لكل امرئ رأيه ثم غبرت سنون فجاءني يوما يريد ان يستعير مني حاشية ميرزا موسى فقلت له ما تصنع بها قال احتجتها فذكرته ما جرى له معي يوم أردت شراءها فقال دعنا من هذا فقلت اخبرني ما هي حاجتك منها فامتنع فقلت لا بد من اخباري فقال جاءني رجل شروقي يريد ان يقرأ عندي في الرسائل. فقلت لا أعيرها لك بعد الذي صدر منك ثم أعطيته إياها وكان صديقي.
الفرائض والمواريث لما قرأت مبحث الفرائض والمواريث في شرح اللمعة وجدت ان مسائله متشعبة ولا سيما حساب الفرائض فكتبت ثم عن لي ان اكتب فيه كتابا مبسوطا مستوفيا للفروع والدلائل فكتبت فيه كتابا في مجلدين ضخمين سميته كشف الغامض في احكام الفرائض ثم اختصرته في دمشق مقتصرا على ذكر الفروع مجردة عن الدلائل في كتاب سميته سفينة الخائض في بحر الفرائض ثم نظمت فيه أرجوزة سميتها جناح الناهض إلى تعلم الفرائض مطبوعة وحينما شرعت في تاليف كشف الغامض كنت في دار ضيقة ليس فيها الا حجرتان يسكن إحداهما ابن عمي السيد حسن مع عياله وانا أسكن الأخرى مع عيالي وأولادي فاضطررت إلى سكنى حجرة في مدرسة القطب كان يسكنها إيراني له صلة بالمتولي وكان لا يأتي إليها الا قليلا فنقلت