الطوسي مساء نتذاكر فجاء جندي وجلس إلينا لما رآنا نتكلم بالعربية وقال رئي غراب وحمامة يطيران معا ويقعان معا فنظرا فإذا هما أعرجان وانا يجمع بيني وبينكم رابطة انا طالب علم من أهل الموصل سقطت في الامتحان فدخلت الجندية ولما سمعتكم تتكلمون العربية جلست إليكم وجعل في كل عشية يجلس إلينا وجاء القائمقام ورئيس الزكرت طبار الهوى إلى الميرالاي واعتذر القائمقام عن الزكرت بان الشمرت هم المعتدون وكان ميله إليهم فسكت الميرالاي ولم يبد قبولا ولا ردا.
السيد محمد علي الملقب طبار الهوى ثم طاف طبار الهوى مع بعض الجند على محال الشمرت يفتشون عليهم مع أنه ليس في البلدة منهم أحد وجعل نساؤهم يشتمون طبار الهوى ثم إن الأمير ألاي قال لطبار الهوى أريد منك جميع الشبان الأنجاد ليذهبوا بقيادتك مسلحين بالمطبق الجفت فتفتشوا على الشمرت خارج النجف وكان ذلك حيلة للقبض عليه وعلى شبابه بحيث لا يفلت منهم أحد فاختار من شبانه كل ذي نجدة وسلحهم بالمطبق وركب فرسه وخرج أمامهم ومعهم العسكر حتى توغلوا في أرض السواد بحجة التفتيش عن الشمرت وأين هم الشمرت ولما توسطوا ارض السواد وذلك عند العصر على شاطئ الفرات صدرت الإشارة إلى العسكر فامسك بكل واحد أربعة من الجند فكتفوهم وكتفوا رئيسهم وعمدوا إلى بنادقهم فاطلقوها في الفضاء دفعة واحدة فارتجت لها الأرض وسمع دويها جل أهل السواد وعرفوا الخبر وساقوا طبار الهوى ومن معه إلى بغداد وعزل القائمقام واسمه خير الله أفندي وهو من نواحي حلب وكان رجلا حازما شهما وكان يدعو بعض الطلبة من نبل بنواحي حلب في شهر رمضان لضيافته وعمل لهم مضبطة لدخولهم في سلك الطلبة والتخلص من الجندية ولم يكلفهم بفلس واحد وبقي الميرالاي وجنده في النجف أياما ثم عادوا إلى بغداد ولم تمض مدة حتى جاء الخبر بتعيين طبار الهوى وكيلا لمديرية الكوفة فجاء وتسلم المديرية فتعجب الناس من ذلك ثم عين مأمورا لتعداد النخل في شفاثا بمعاش ثلاثة عشرة ليرة عثمانية ذهبا في الشهر فذهب إليها وما عتم ان حم فمات وشفاثا هذه وبيئة رديئة الهواء وأهل العراق يضربون بها المثل فيقولون لمن يحاول أمرا لا يكون هذا كطالب العافية من شفاثا واوصى ان يدفن بباب الصحن الغربي المسمى بباب الفرج ليكون تحت اقدام الزائرين لأمير المؤمنين ع واما رؤساء الشمرت من أهل محلة الحويش فأبعدوا إلى الشام وبقوا مدة ثم أفرج عنهم فسئلوا عن سبب الافراج عنهم فقالوا عز مالك عز مالك ذل مالك ذل مالك.
عطية أبو كلل وتولى مشيخة الزكرت بعده عطية أبو كلل وهو شاب شجاع من أهل محلة العمارة وأول ما ظهر من شجاعته ان قومه كانوا يهربون الملح والمملحة العظيمة غربي النجف على نحو ست ساعات منها وهو في القانون للحكومة ليس لأحد اخذه الا منها لكن أهل النجف يحملونه ويمرون من الثلمة التي في السور من جهة الغرب ويبيعونه ولا تستطيع الحكومة منعهم فتذهب به النساء إلى الدور وتبيعه وغاية ما في وسع الحكومة ان تفرض على البقالين والخبازين شراء مقدار في كل شهر وبينما كان أصحاب عطية يحملونه على دوابهم ويريدون ادخاله من الثلمة إذ قبض عليهم الجلاوزة وساقوهم إلى السراي فبلغ الخبر الشيخ عطية فركب فرسه الحمراء وتوجه إلى السراي بين السور والبيوت حتى دخل بفرسه السراي واخرج الدواب والملح بمرأى ومسمع من القائمقام والدرك ولم ينبس واحد منهم ببنت شفة وأغلق الجلاوزة الذين في باب البلد المقابل للسراي الباب خوفا من دخول أحد منه من أصحاب الشيخ عطية ولم يفتحوه حتى غاب عنهم وله وقائع مع الحكومة أظهر فيها بسالة وشجاعة فائقة يطول الكلام بشرحها وبنى دارا خارج النجف سماها الدرعية وله ولد سماه تركي وابنته اسمها تركية فقال في ذلك بعض الشمرت:
لا بد ما نصلي الدرعيه * وانصبغ بشماع ابن عطية ونيتم تركي وتركية فاجابه آخر من الزكرت:
هذي الدرعية المعروفة * واليصليها يلقى حتوفه الشيخ هادي الطهراني كان أيام اقامتنا في النجف رجل من العلماء له شهرة يسمى الشيخ هادي الطهراني وقبل حضورنا للنجف كان له درس كبير يحضره فضلاء العرب والعجم وله فضل وحذق ومهارة الا انه كان يطيل لسانه على العلماء السالفين وكان يقول للشيخ حسن ابن صاحب الجواهر حينما يذكر بعض انظاره في الدرس ان أباك حينما كتب هذا المطلب كان قد تعشى بطبيخ الماش فتبخر دماغه وكانت له جرأة على مخالفة الاجماع وله مؤلفات في الفقه وغيره طبعت بعد وفاته فقرأت فيها في المواريث انكاره ان يكون ابن العم للأبوين مقدما في الإرث على العم للأب وهي المسألة المعروفة بالاجماعية فنسب إليه قبل حضورنا أمور كفره جماعة من علماء عصره لأجلها الله اعلم بصحتها حتى خيف عليه القتل وحماه الفقيه الشيخ محمد حسين الكاظمي وتفرق عنه الطلاب لا لثبوت ذلك عليه بل خوفا من الانتقاد حتى لم يبق عنده في أيامنا الا نحو اثني عشر طالبا من الإيرانيين وسالت ابن عمي السيد علي ابن السيد محمود النجف أثيرت مسألته أيضا من جملة عنه وكان يحضر درسه قبل الذي نسب إليه فقال لي ليس هو في الفضيلة كما يبالغ بعض الناس ولا في عدم الفضيلة كما يقول البعض الآخر في العصر الذي كنا فيه في من مشاهير العلماء وصارت حديث الناس في النوادي والمجالس بين العلماء والطلاب. أما شيخنا الشيخ آقا رضا الهمذاني فلم يكن يسمح بذكرها في مجلسه وكان يقول التكفير أمر عظيم ولا يثبت عندي بمثل هذه النسب.
سفر بني عمنا وفي حوالي سنة 1310 سافر ابنا عمنا السيد محمود السيد محمد والسيد علي إلى جبل عامل فخرجت معهم إلى كربلاء فالكاظمية فسامراء وعدت إلى النجف. ولما خرجنا من كربلاء نريد بغداد كان الفرات قد طغى فقطع الطريق فأخذنا دليلا وسار بنا من المحمودية مشرقا على غير الطريق ثم ضل عن القصد فركض طويلا ثم عاد وقال رأيت طاق كسرى وسار بنا حتى عبرنا دجلة في السفن يجرها بابور يسير بالنار وبتنا في مشهد سلمان الفارسي رضي الله عنه وبات بجانبنا جنديان مقيمان هناك لحفظ الأمن وبعد ما تعشيا معنا وضعا بندقيتهما تحت رأسيهما وناما قريبا منا وعند الساعة الرابعة تقريبا سمعنا الصياح خارج الباب فقيل إن اللصوص سرقوا قونية صفر من أحد المسافرين فنبهنا الجنديين فقاما يفركان عيونهما من اثر النوم