عزيمة ولو فرض ان مضمونها حكم شرعي فلا بد ان يكون أحد الأحكام الخمسة التكليفية فكيف جعل رخصة فقط وقوله إن الله يحب ان يؤخذ برخصه الخ لا ربط له بالمقام إذ معناه ان الله يحب ان يخفف على عبده بترك المستحب مثلا كما يحب ان يلتزم بفعل الواجب وترك المحرم فما ربط ذلك بايراد الرواية المكذوبة في التعزية.
وجاء فيها قالوا وجلهم اي قراء التعزية يتلو الحديث ملحونا وأجاب بما ملخصه على طوله ان المستمعين أمم عديدة ألسنتها شتى منهم عربي وفارسي وتركي وهندي و. و. الخ. ومنهم عوام فينقل لهم معنى الأحاديث بألفاظهم العامية إلى أن قال وأي حاجة ماسة للعربية الفصحى في قراءة التعزية على أمة أمية كمعدان العراق وقروية الشام وسكان بادية نجد والحجاز واليمن المصطلحين فيما بينهم على وضع ألفاظ معلومة.
وأنت ترى ان الجواب غير منطبق على هذا المقال الموهوم فالقائل يقول الأحسن رفع اللحن من قراءة التعزية وهو يقول في جوابه ان المستمعين منهم عربي وفارسي وتركي وهندي فما ربط الفارسي والتركي والهندي والجاوي بالمقام فلم يقل القائل انه لا ينبغي قراءة التعزية بالتركية للأتراك وبالفارسية للفرس وبالهندية للهنود بل يقول ينبغي لقراء التعزية بالعربية للعرب عدم اللحن ولم يقل انه لا ينبغي ان يقرأ الحديث بالمعنى حتى يجيبه بان منهم عواما فينقل لهم الحديث بألفاظهم العامية على أن ذلك أمر غير واقع فليس في قراءة التعزية من يقرأ بالألفاظ العامية بل كلهم يقرأون الفصحى ولكن مع اللحن من البعض والقائل لم يأب عن قراءة التعزية بالألفاظ العامية كالنعي المتعارف بل يقول إذا قرئ الشعر لا يحسن ان يكون ملحونا وإذا نقل حديث أو خطبة ينبغي ان لا يكون فيه لحن.
والقائل يقول لا ينبغي اللحن في قراءة التعزية وهو يقول في جوابه لا يلزم قراءتها بالعربية الفصحى ولو فرضنا انه أراد من العربية الفصحى عدم اللحن فيقال له إذا اي حاجة إلى ترك اللحن في جميع الكلام ولما ذا وضع النحو وكتب العربية وهل قراءة الفاعل مخفوضا والمفعول مرفوعا تزيد في فهم المعاني لمعدان العراق وقروية الشام وسكان بادية نجد واليمن والنازلين بأرياف مصر والحالين في نواحي حضرموت والمتبوئين صحراء إفريقية وبلاد المغرب وما الذي يدعوه إلى كل هذه المدافعة عن اللحن في قراءة التعزية وما القارئ الا خطيب. وما الذي يدعوه إلى كل هذه المدافعة عن اللحن في القراءة أ هو حب الاصلاح أم أمر آخر وهل إذا تلونا الحديث والشعر بدون لحن فاستجلبنا به قلب ذي المعرفة ولم ننفره بسماع الغلط وصنا الحديث عن اللحن والغلط وعن الخطا في فهم المعنى بسبب اللحن ولم نجعل تفاوتا على غير ذي المعرفة الذي لا يضره رفع الفاعل ولا يزيد في فهمه خفضه يكون عملنا هذا مضرا وعكسه نافعا والمستمعون كما يوجد فيهم المعدان يوجد فيهم أهل العلم والمعرفة.
قال: وممن طعن على القراء للتعزية بعض المعاصرين زعم أن الكثيرين منهم بين مخلق كذا للاخبار وبين ماسخ لها وعنده هذا الطعن عليه انتهى.
ومراده كاتب هذه السطور الذي ذكر في مقدمة المجالس السنية ما لفظه: هذا ولكن كثيرا من الذاكرين لمصابهم ع قد اختلقوا أحاديث في المصائب وغيرها لم يذكرها مؤرخ ولا مؤلف ومسخوا بعض الأحاديث الصحيحة وزادوا ونقصوا فيها لما يرونه من تأثيرها في نفوس المستمعين الجاهلين بصحة الاخبار وسقمها إلى آخر ما ذكرناه. والمجالس السنية انما ألفناها لتهذيب قراءة التعزية واصلاحها من العيوب الشائنة والمحرمات الموبقة من الكذب وغيره وانتقاء الأحاديث الصحيحة الجامعة لكل فائدة فقام هذا الرجل يرمينا بان هذا الطعن علينا بأننا نختلق الأحاديث ونمسخها وجاء بعبارته هذه التي جمجم فيها وبترها وأبت نفسه الا ان يذكرها والله تعالى يعلم وعباده يعلمون وهو نفسه يعلم اننا لسنا كذلك واننا نسعى جهدنا ونصرف نفيس أوقاتنا وعزيز أموالنا في تاليف الكتب وطبعها ونشرها لا نستجدي أحدا ولا نطلب معونة مخلوق قصدا لتهذيب الأحاديث التي تقرأ في إقامة العزاء من كل كذب وعيب وشين ليكون الذاكرون من الخطباء الذين تستجلب قراءتهم الأنظار وتستهوي إليها الأفئدة والاسماع وتستميل الطباع وليكون اثرها في النفوس بقدر ميلها إليها ولتكون مفخرا للشيعة لا عارا عليهم ولتكون قراءتهم عبادة خالصة من شوب الكذب الموجب لانقلابها معصية فان إقامة شعائر الحزن بذكر صفات الحسين ع ومناقبه وماثره ووصف شجاعته وإبائه للضيم وفظاعة ما جرى عليه وذكر المواعظ والخطب والآداب ومستحسن اخبار السلف وغير ذلك والتخلص إلى فاجعة كربلاء على النهج المألوف مع تهذيبها عن المنافيات والمنكرات من أنفع المدارس وأقوى أسباب التبشير بالدين الاسلامي وطريقة أهل البيت ع وجلب القلوب إلى حبهم والسير على طريقتهم والاتصاف بتكريم صفاتهم كما أن اقامتها على غير هذه الطريقة من أقوى أسباب التنفير عن دين الاسلام وطريقة أهل البيت ع يعرف ذلك كل منصف ونحن نذكر لك واقعة واحدة تكون نموذجا لما نقوله وهي أنه اتفق وجودنا في مدينة بعلبك في وفاة بعض أجلاء السادة من آل مرتضى فقرأ رجل من القراء الذين عودناهم على عدم اللحن في القراءة خطبة من النهج في صفة الأموات وكان بعض عرفاء المسيحيين حاضرا فقال لجلسائه انني لم أعجب من بلاغة هذا الكلام الذي هو غاية في البلاغة ولا من جري القارئ في قراءته كالسيل ولا من مضامين هذا الكلام الفائقة وإن كان ذلك كله موضع العجب وانما عجبت من عدم لحن هذا القارئ فيما قرأه على طوله.
يقول هذا الرجل اننا نزعم ان الكثير منهم بين مختلق للاخبار ثم يشتمنا بهذا القول وما ندري ما الذي يزعمه هو أ يزعم أنهم كلهم ليسوا كذلك كيف وغالبهم عوام يخلطون الحابل بالنابل ولا ننكر ان فيهم الفضلاء الكاملين الذين يفتخر بأمثالهم ولكن الكثير منهم ليسوا كذلك كما هو مشاهد بالعيان ويجهل أو يتجاهل قراءتهم حديث أين ضلت راحلتك يا حسان الذي اختلقه بعض الناس على سطح مسجد الكوفة كما هو مشهور عند فضلاء النجف وغيرهم. أم حديث خرجت أتفقد هذه التلاع مخافة أن تكون مظنا لهجوم الخيل على مخيمنا يوم يحملون وتحملون والا فليدلنا في اي كتاب هذا الحديث وأي رواية جاءت به ضعيفة أو صحيحة. أم حديث ان البرد لا يزلزل الجبل الأصم ولفحة الهجير لا تجفف البحر الخضم أم حديث قول شمر للحسين ع بعدك حيا يا ابن الخارجي أم حديث اي جرح تشده لك زينب. أم حديث مخاطبة زينب للعباس حين عرض شمر عليه وعلى اخوته الأمان. أم حديث مجئ زين العابدين لدفن أبيه