كتبي إليها وكنت لا أنام فيها الا الغرار واصل في المطالعة والكتابة الليلة بالنهار حتى أكملت المجلدين تسويدا ثم تبييضا وطلبت من ابن عمنا حفيد صاحب مفتاح الكرامة جزء المواريث منه فأخبرني انه عند بعض بني عمنا فجئت إليه وطلبت الجزء منه فقال لي انه في السرداب فقلت له إما ان تأتيني به أو تأخذ لي طريقا إلى السرداب لآتي به ولا يمكن أن أذهب الا وهو معي فنزل إلى السرداب واتاني به وقال لي انا احتاجه فمتى تفرع منه وانا اعلم أنه لا يقرأ فيه ولا يستفيد منه حرفا وفي كل يوم يطالبني به ويشوش أفكاري فأخذته وجعلت أفكر في نسخه فطورا أراه عسيرا وتارة أقول العزم يسهل العسير إلى أن عزم رأيي على نسخه فدخل علي بعض الأصحاب فرآني مفكرا فقال فيم تفكر قلت في نسخ هذا الكتاب فقال وما الذي استقر عليه رأيك قلت قد نسخته قال ما معنى هذا قلت قد عزمت على نسخة ومتى عزمت على ذلك فقد نسخته بمشيئته تعالى وذهبت فأحضرت الكاغد الخمايسي وعملت مسطرا للكتابة وشرعت في النسخ وصرت كلما وجدت فراغا نسخت منه شيئا حتى أكملته. ونسخت أيضا بخطي رسالة الشيخ يوسف البحراني في الحوادث.
معاملات مفتاح الكرامة دخلت يوما بالنجف على بائع الكتب في حجرته بالصحن الشريف واسمه الحاج علي محمد فوجدت عنده معاملات مفتاح الكرامة في عدة اجزاء بخط واحد وورق واحد وقطع واحد وتجليد واحد مصححة فقال إنها لرجل بحراني يريد بيعها ويطلب بها خمس ليرات عثمانية وقد سامها امام جمعة تبريز بأربع ليرات فقلت له انا قد اشتريتها بخمس ليرات فقال اليوم اذهب إليه فان اشتراها بخمس ليرات والا دفعتها إليك فذهب إليه فلم يزد على أربع طنا منه انه لا يمكن ان يبذل فيها طالب عالم هذه القيمة وانه بما عنده من ثروة عظيمة لا يمكن ان يشتريها سواه فأخذتها ودفعت للبائع شيئا من ثمنها وانظرني بالباقي ولما علم أمام الجمعة انني اشتريتها تأثر كثيرا فأرسل إلي مع الشيخ كاظم الحكيم يسألني بيعها بمهما شئت من ربح فأبيت وأرسل إلي أخاه فقال إن عندنا العبادات بمثل هذا الخط وهذا القطع ونريد ان يكون عندنا نسخة كاملة بخط واحد وقطع واحد ومهما طلبت من الثمن ندفع فقلت وأنا أريد مثل ذلك ومهما طلبتم من الثمن ادفع وتأثر كثيرا فلما ايس قال إن المجلدات التي عندك مسروقة فقلت بل التي عندكم مسروقة.
زيارة الحسين ع لم تفتني زيارته والحمد لله مدة وجودي في النجف وهي نحو عشرات سنوات ونصف السنة في الزيارات المخصوصة: عاشوراء والعيدين وعرفة والأربعين الا نادرا وكنت قبل السفر اذهب إلى من لهم علي دين في السوق فاستحل منهم وكنت أشتهي ان أزوره راجلا وأتهيب ذلك فجربته فهان علي واتبعني على ذلك جماعة من العامليين والنجفيين وغيرهم فزرت راجلا غير مرة.
تدبير المعاش أقمنا في النجف نحوا من عشر سنين ونصف السنة نعيش عيش الأغنياء وننفق نفقة الفقراء وذلك بفضل تدبير المعاش فلا نستدين من السوق بل نشتري نقدا أحسن جنس وارخصه وإذا لم يكن معنا الثمن نستدين نقودا ونشتري بها ونشتري كل صنف في موسمه فيكون ارخص قيمة.
الشيخ إبراهيم الكاشي كان هذا الرجل يحضر درس الشيخ ميرزا حسين خليل ويقرأ موعظة مختصرة قبل شروع الشيخ في الدرس ثم تغيرت حاله وظهر فيه شبه الجنون الذي هو فنون. كان السلطان عبد الحميد طلب اعانة اختيارية لاكمال السكة الحديدية الحجازية ثم اعانة اجبارية فلجا فقراء النجف إلى العلماء ليدفعوا ذلك عنهم من أموال الحقوق التي تصلهم فأنكر الكاشي ذلك.
وجعل يدور على مجالس الدروس ويصعد المنابر قبل مجئ المشايخ ويخطب في هذا الموضوع ولا شك ان هذا نوع من الجنون أو من سوء النية فيجئ الشيخ فيراه على المنبر فيعود ويتعطل الدرس ذلك اليوم. فأول ما جاء إلى درس الشيخ ميرزا حسين الذي كان يعظ قبله فجاء الشيخ فرآه ورجع وفي اليوم الثاني جاء وصعد المنبر فانزلوه ثم ذهب إلى مجلس درس الشيخ حسن المامقاني وصعد المنبر واخذ يتكلم فجاء الشيخ فرآه فصاح بكشيد اي جروه فجروه واخرجوه من المسجد وكان عمنا السيد علي قد توفي في جبل عامل فعملنا له ترحيما عند العصر في الصحن الشريف وجاء الشيخ محمد طه نجف فجلس وإذا بالكاشي قد جاء وتقدم نحو الشيخ وكنت أنظره إلى أن وصل إلى امام الشيخ ثم لم أعد أره لكثرة ما اجتمع حوله من الناس ثم احتمله الخدمة وادخلوه بعض الحجر خوفا عليه من القتل لأن الناس زعموا انه تناول ثوب الشيخ ولما انصرف الناس حملوه إلى داره وجئنا للدرس فأخبرنا بذلك فرجعنا وفي اليوم الثاني جاء وفعل كالأول وفعل الشيخ وفعلنا كذلك وبقي الكاشي يتكلم ويصيح إلى قرب الظهر ولم يخرج من الدار فاخرجوه محمولا وأرسلته الحكومة إلى إيران ففعل كافعاله في العراق. وبعد مجيئنا إلى دمشق جاء إليها وفعل كذلك.
بعض عادات النجفيين النجف بلدة حدثت بعد خراب الكوفة وزاد عمرانها في عهد البويهيين. والنجفيون أهل شهامة وغيرة وسخاء وقناعة واقتصاد.
ونساؤهم يلبسن عباءتين إحداهما على الرأس والأخرى على الكتفين ويلبسن الثوب الهاشمي أيام كنا في النجف والآن يلبسن عباءة واحدة طويلة على الرأس تقوم مقام العباءتين. والنساء يشترين ملابسهن بأنفسهن على أنه قل ان تكلم المرأة رجلا حتى قريبها وابن عمها ان لم يكن محرما ولهم في الزواج عوائد جلها مستحسن فهم يزوجون القرابة ولا يتكبرون عليه وإن كان فقيرا وهم أغنياء، وإذا خطب القرابة لا يعدلون عنه إلى غيره وإذا خطبت الفتاة لا تحضر أمام أبيها أو أخيها وتجهد ان لا يرياها حتى تتزوج وإذا زفت إلى غريب غاب الرجال من أهلها عن البلد ويحضر الوجوه والعلماء العظام لنقلها إلى بيت زوجها فلا يستقبلهم أحد ويجلسون في الطريق حتى تخرج العروس فتمشي مع النساء، والرجال وراءهن بعيدا عنهم ويولمون للعرس والختان ويجب ان يجلس المدعوون دفعة واحدة ولا يجوز ان يقوم فريق ثم يجلس فريق فمن عمل دعوة عليه ان يكون عنده أمكنة تسع جميع المدعوين عند جلوسهم للطعام وأوان بعددهم فيوضع الطعام للجميع أمامهم في مكان جلوسهم والنجفيون لا يتدخلون بين ابنتهم وزوجها في خلاف أو نزاع مهما أمكن ويندر وقوع الطلاق عندهم أو لعله لا يقع ولا يذكرون