فلها تأويلات معلومة. فقال لي وهو ضجر لو فتحنا باب التأويلات لجاز أن تتناول الشهادتين دعني من التأويلات الباردة التي تعلم القلوب والنفوس أنها غير مرادة وأن المتكلمين تكلفوها وتعسفوها فإنما انا وأنت في الدار ولا ثالث لنا فيستحي أحدنا من صاحبه أو يخافه. فلما بلغنا إلى هذا الموضع دخل قوم ممن كان يخشاه فتركنا ذلك الأسلوب من الحديث وخضنا في غيره انتهى.
ومر في الجزء الأول من هذا الكتاب عند الكلام على ما انفردت به الشيعة في أصول الفقه أن المترجم اخرج رسالة زعم أنها لبعض الزيدية واستظهرنا هناك أنها له وهي مشتملة على أمور نفيسة فيما يتعلق بعدالة جميع الصحابة فلا نطيل بإعادة ذكرها.
وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج سألته فقلت له أ تقول لو أن حمزة وجعفرا كانا حيين يوم مات رسول الله ص أ كانا يبايعانه بالخلافة فقال نعم كانا أسرع إلى بيعته من النار في يبس السفرفج فقلت له أظن أن جعفرا كان يبايعه وما أظن حمزة كذلك لأنه كان قوي النفس شديد الشكيمة وهو العم والأعلى سنا وأظنه كان يطلب الخلافة لنفسه فقال الامر في أخلاقه كما ذكرت ولكنه كان صاحب دين متين ولو عاش لرأى من أحوال علي مع الرسول ص ما يوجب أن يكسر له نخوته وأن يقدمه على نفسه ثم قال ابن حمزة السبعي من خلق علي الروحاني اللطيف الذي جمع بينه وبين خلق حمزة فاتصفت بهما نفس واحدة وأين هيولانية نفس حمزة وخلوها من العلوم من نفس علي القدسية التي أدركت بالفطرة لا بالقوة التعليمية ما لم تدركه نفوس مدققي الفلاسفة الإلهيين لو أن حمزة حي حتى رأى من علي ما رآه غيره لكان اتبع له من ظله وأطوع له من أبي ذر والمقداد و إما قولك هو العم والأعلى سنا فقد كان العباس العم الاعلى سنا وقد عرفت ما بذله له وندبه إليه وما زالت الأعمام تخدم أبناء الاخوة وتكون اتباعا لهم أ لبست ترى داود وعبد الله وصالح وسليمان وعيسى وإسماعيل وعبد الصمد أبناء علي بن عبد الله بن العباس خدموا ابن أخيهم عبد الله السفاح بن محمد بن علي وبايعوه وتابعوه وكانوا امراء جيوشه وأنصاره وأعوانه أ لست تعلم أن أبا طالب كان رئيس بني هاشم وشيخهم والمطاع فيهم وكان النبي ع يتيمه ومكفوله وجاريا مجرى أحد أولاده عنده ثم خضع له واعترف بصدقه حتى مدحه بالشعر كما يمدح الأدنى الأعلى فقال:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه * ثمال اليتامى عصمة للأرامل يطيف به الهلاك من آل هاشم * فهم عنده في نعمة وفواضل وإن سرا أقام أبا طالب وحاله معه حاله مقام المادح له سر عظيم وإن في هذا لمعتبر عبرة أن يكون هذا الإنسان الفقير الذي لا أنصار له ولا يستطيع الدفاع عن نفسه تعمل دعوته وأقواله في الأنفس ما تعمله الخمر في الأبدان المعتدلة المزاج حتى تطيعه أعمامه ويعظمه مربيه وكافله ومن هو إلى آخر عمره القيم بنفقته حتى يمدحه بالشعر كما يمدح الشعراء الملوك والرؤساء وهذا في باب المعجزات عند المنصف أعظم من انشقاق القمر وانقلاب العصا وانباء القوم بما يأكلون ويدخرون في بيوتهم ثم قال: كيف قلت أظن أن جعفرا كان يبايعه ويتابعه ولا أظن ذلك في حمزة، إن كنت قلت ذلك لأنه اخوه فإنه أعلى منه سنا لأنه أكبر من علي بعشر سنين وقد كانت له خصائص ومناقب كثيرة ثم ذكر بعض مناقبه وذكرناه في ترجمته. ثم قال:
فقلت له قد وقفت لأبي حيان التوحيدي في كتاب البصائر على فصل عجيب يمازج ما نحن فيه، قال في الجزء الخامس منه: سمعت قاضي القضاة أبا بشر بن الحسين وما رأيت رجلا أقوى منه في الجدل في مناظرة جرت بينه وبين أبي عبد الله الطبري وقد جرى حديث جعفر واسلامه والتفاضل بينه وبين أخيه علي فقال القاضي أبو سعد، ثم ذكر ما حاصله أن اسلام جعفر كان بعد بلوع واسلام البالغ لا يكون الا بعد استبصار واسلام علي مختلف في حاله وذلك أنه قد ظن أنه كان عن تلقين وكلاهما قتلا وقتلة جعفر شهادة بالاجماع وقتلة علي فيها أشد الاختلاف ولو انعقد الاجماع على أن القتلتين شهادة فجعفر قتل مقبلا غير مدبر وعلي اغتيل اغتيالا وقاتل جعفر ظاهر الشرك وقاتل علي من أهل القبلة. قال النقيب: اعلم فداك شيخك أن أبا حيان رجل ملحد زنديق يحب التلاعب بالدين ويخرج ما في نفسه فيعزوه إلى قوم لم يقولوه وأقسم بالله أن القاضي أبا سعد لم يقل من هذا الكلام لفظة واحدة ولكنها من موضوعات أبي حيان وأكاذيبه وترهاته كما يسند إلى القاضي أبي حامد المروروذي كل منكر، ثم قال يا أبا حيان مقصودك أن تجعلها مسالة خلاف تثير بها فتنة بين الطالبيين لتجعل بأسهم بينهم، وكيف تقلبت الأحوال فالفخر لهم لم يخرج عنهم، ثم ضحك حتى استلقى ومد رجليه وقال: هذا كلام يستغنى عن الإطالة في ابطاله باجماع المسلمين فإنه لا خلاف بينهم في أن عليا أفضل من جعفر وانما سرق أبو حيان ما ذكره من رسالة المنصور إلى محمد بن عبد الله بن الحسن، قال له: وكانت بنو أمية يلعنون أباك في ادبار الصلوات المكتوبات كما يلعن الكفرة فعنفناهم وكفرناهم وبينا فضله وأشدنا بذكره فاتخذت ذلك علينا حجة وظننت أنه لما ذكرناه من فضله انا قدمناه على حمزة والعباس وجعفر أولئك مضوا سالمين مسلمين وابتلي أبوك بالدماء. فقلت له إذا لا اجماع في المسألة لأن المنصور لم يقل بتفضيله عليهم، فقال أن الاجماع سبقه.
ثم ذكر ابن أبي الحديد بحثه في ذلك مع أحمد بن جعفر الواسطي وذكرناه في ترجمته يحيى بن سالم الكوفي.
نص على تشيعه العقيلي من أكابر علماء أهل السنة يروي عن أشعث ابن عم الحسن بن صالح بن حي ويروي عنه زكريا بن يحيى الكسائي.
أبو طالب يحيى بن أبي الفرج سعيد بن أبي القاسم هبة الله بن علي بن قزأوغلي بن زيادة الشيباني البغدادي الكاتب المشهور.
توفي سنة 594 ودفن في مشهد الإمام موسى بن جعفر ع ببغداد. كان جامعا لكثير من العلوم المختلفة كالكتابة والإنشاء والحساب والفقه والأصول وغير ذلك ذكره صاحب نسمة السحر والذهبي في النبلاء ونص على تشيعه، وابن خلكان.
يحيى بن سعيد القطان عده ابن رستة في الاعلاق النفيسة من الشيعة.
يحيى بن سعيد بن حيان أبو حيان التيمي الكوفي العابد من تيم الرباب. عن مختصر الذهبي وابن حيان مات سنة 145.