يريد ان يثبته من أن الله يجوز ان يكلف بما فيه ضرر كشق الرؤوس فخلط أحدهما بالآخر ثانيا قوله لم يقم برهان عقلي ولا نقلي على منع جعله ان أراد به انه لم يقم برهان على جواز ان يكلف الله بما فيه ضرر فأين قول الفقهاء دفع الضرر المظنون واجب وأين اكتفاؤهم باحتمال الضرر الموجب لصدق خوف الضرر في اسقاط التكليف وأين قولهم بوجوب الافطار لخائف الضرر من الصوم وببطلان غسل من يخاف الضرر لحرمة الغسل واقتضاء النهي الفساد في العبادة ووجوب التيمم حينئذ وأين قولهم بوجوب الصيام واتمام الصلاة على المسافر الذي يخاف الضرر على نفسه بالسفر لكون سفره معصية وقولهم بسقوط الحج عمن يكون عليه عسر وحرج في الركوب والسفر أو يخاف الضرر بسفره إلى غير ذلك من الاحكام المنتشرة في أبواب الفقه قوله وكونه شاقا ومؤذيا لا ينهض دليلا على عدم جعله فيه انه أعاد لفظ الجعل وقد عرفت انه ليس له هنا محل وجمع بين الشاق والمؤذي وهما غيران حكما وموضوعا فالمؤذي وهو الضار يحرم فعله ولم يكلف الله به والشاق الذي فيه عسر وحرج لم يكلف الله به لقوله تعالى ما جعل عليكم في الدين من حرج الا في موارد مخصوصة لكن ربما يجوز فعله إذا لم يكن مضرا.
ومن الطريف قوله التكاليف كلها مشتقة من الكلفة فان الكلفة إذا بلغت حد العسر والحرج أسقطت التكليف كما عرفت وإذا بلغت إلى حد الضرر أوجبت حرمة الفعل. وأفضل الأعمال أحمزها إذا لم تصل إلى حد الضرر والا حرمت فضلا عن أن تكون أفضل أو غير أفضل قوله على قدر نشاط المرء يكون تكليفه الخ فيه ان تكاليف الله لعباده واحدة لا تتفاوت بالنشاط والكسل وقوة الصبر وعظمة المعرفة فالواجبات يكلف بها الجميع لا يسقط واجب عن أحد بكسله وضعف صبره وحقارة معرفته ولا يباح محرم لاحد بشئ من ذلك ولا يجب مباح ولا يحرم على أحد بقوة صبره ونشاطه وعظمة معرفته وكذا المستحبات والمكروهات نعم الكسلان كثيرا ما يترك المستحب وقليل الصبر كثيرا ما يفعل المكروه والتكليف في الكل واحد وليس في الشريعة تكليف لشخص بغير الشاق ولآخر بالشاق ولشخص بالشاق ولآخر بالأشق بحسب تفاوت درجاتهم ومراتبهم في النشاط والرياضة والصبر والمعرفة ومن هنا تعلم فساد قوله: ومن هاهنا كانت تكاليف الأنبياء أشق من غيرها ثم الأوصياء ثم الأمثل فالأمثل. نعم كلف نبينا ص دون غيره بأشياء خاصة مثل صلاة الليل فكانت واجبة عليه كما أبيح له أشياء خاصة دون غيره مثل الزيادة على أربع أزواج وباقي التكاليف يتساوى فيها مع غيره وأين هذا مما نحن فيه.
قوله وفي الخبر ان عظيم البلاء يكافؤه عظيم الجزاء. هذا أجنبي عن المقام إذ المراد بالبلاء هو المصائب الدنيوية من موت الأولاد وذهاب الأموال والقتل وتسلط الظالم وأمثال ذلك وأي ربط لهذا بما نحن فيه من التكليف بالشاق أو ما فيه ضرر. وهكذا خبر ان أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأوصياء ثم الأمثل فالأمثل:
ليس معناه أشد الناس تكليفا بل المراد بذلك المصائب والبلايا الدنيوية التي تصدر عليهم كما صدر على النبي ص وأهل بيته ع وأوليائهم. وفي اي لغة يصح تفسير البلاء بالتكليف. وهل الذين يشقون رؤوسهم من أمثل الطبقات حتى كلفوا بذلك والعلماء وخيار المؤمنين ليسوا كذلك فلم يكلفوا به ولم يفعلوه.
وأما المستضعفون فهم القاصرون في الادراك الذين رفع الله عنهم بعض التكاليف التي لا يمكنهم معرفتها لقصور ادراكهم كما رفع التكاليف عن المجانين لحكم العقل بقبح تكليف الجميع فأين هذا مما نحن فيه.
قال: ولو كان الشاق وان دخل تحت القدرة والطوق غير مشروع ما فعلته الأنبياء والأولياء أ لم يقم النبي ص للصلاة حتى تورمت قدماه أ لم يضع حجر المجاعة على بطنه مع اقتداره على الشبع أ لم تحج الأئمة مشاة حتى تورمت أقدامهم مع تمكنهم من الركوب أ لم يتخذ علي بن الحسين البكاء على أبيه دأبا والامتناع من تناول الطعام والشراب حتى يمزجها بدموع عينيه ويغمى عليه في كل يوم مرة أو مرتين أ يجوز للنبي وآله ص ادخال المشقة على أنفسهم طمعا بمزيد الثواب ولا يجوز لغيرهم أ يباح لزين العابدين ان ينزل بنفسه ما ينزله من الآلام تأثرا وانفعالا من مصيبة أبيه ولا يباح لوليه ان يؤلم نفسه لمصيبة إمامة أ ينفض العباس الماء من يده وهو على ما هو عليه من شدة الظما تأسيا بعطش أخيه ولا نقتص اثره أ يقرح الرضا جفون عينيه من البكاء والعين أعظم جارحة نفيسة ولا نتأسى به فنقرح على الأقل صدورنا ونجرح بعض رؤوسنا أ تبكي السماء والأرض تلك بالحمرة وتي بالدم العبيط ولا يبكي الشيعي بالدم المهراق من جميع أعضائه وجوارحه ولعل الاذن من الله لسمائه وأرضه ان ينزف كذا على الحسين ما تشعر بترخيص الإنسان الشاعر لتلك المصيبة الراتبة ان ينزف من دمه ما استطاع نزفه اجلالا واعظاما وهب أنه لا دليل على الندب فلا دليل على الحرمة مع أن الشيعي الجارح نفسه لا يعتقد بذلك الضرر ومن كان بهذه المثابة لا يلزم بالمنع من الجرح وان حصل له منه الضرر اتفاقا انتهى.
وقد عرفت ان المشقة إذا وصلت لحد العسر والحرج أوجبت رفع التكليف بالاجماع لقوله تعالى ما جعل عليكم في الدين من حرج ولم توجب تحريم الفعل وإذا وصلت إلى حد الضرر أوجبت رفع التكليف وحرمة الفعل إما استشهاده بقيام النبي ص للصلاة حتى تورمت قدماه فان صح فلا بد ان يكون من باب الاتفاق اي ترتب الورم على القيام اتفاقا ولم يكن النبي ص يعلم بترتبه والا لم يجز القيام المعلوم أو المظنون انه يؤدي إلى ذلك لأنه ضرر يدفع التكليف ويوجب حرمة الفعل المؤدي إليه والا فأين ما اتفق عليه الفقهاء من أنه إذا خاف المكلف حصول الخشونة في الجلد وتشققه من استعمال الماء في الوضوء انتقل فرضه إلى التيمم ولم يجز له الوضوء مع أنه أقل ضررا وإيذاء من شق الرؤوس بالمدى والسيوف إلى غير ذلك، واما وضعه حجر المجاعة على بطنه مع اقتداره على الشبع فلو صح لحمل على صورة عدم خوف الضرر الموجب لحرمة ذلك لكن من أين ثبت انه كان يتحمل الجوع المفرط الموجب لخوف الضرر اختيارا مع القدرة على الشبع وكذا استشهاده بحج الأئمة مشاة هو من هذا القبيل، أما بكاء علي بن الحسين ع على أبيه المؤدي إلى الاغماء وامتناعه عن الطعام والشراب فان صح فهو أجنبي عن المقام فان هذه أمور قهرية لا يتعلق بها تكليف وما كان منها اختياريا فحاله حال ما مر، وأما نفض العباس الماء من يده تأسيا بعطش أخيه فلو صح لم يكن حجة لعدم العصمة، واما استشهاده بتقريح الرضا ع جفون عينيه من البكاء فان صح فلا بد ان يكون حصل ذلك قهرا واضطرارا لا قصدا واختيارا والا لحرم ومن يعلم أو يظن أن البكاء يقرح عينيه فلا يجوز له البكاء ان قدر على تركه لوجوب دفع