انتصارا أبديا، ولا بد للعرب في سوريا ان ينتصروا في النهاية بحقهم على قوتكم.
يا سيدي:
لقد كنت في حياتك وستظل في مماتك منارة وهديا للعالم الاسلامي وللعرب ومفخرة لنا في جبل عامل.
ان جبل عامل الذي يفاخر بأنك منه يموت عطشا والليطاني ينساب في أراضيه، ويموت جوعا وفيه أخصب التربة، ويسام ذلا والسواعد سواعد بنيه المفتولة.
ولكن يوما سيأتي ينقلب فيه كل شئ ويزدهر هذا الجبل جبلك، ويسطع فيه نور اليقين وترتفع فيه الجباه بفضل البذور الصالحة التي بذرتها والزرع الطيب الذي زرعته.
مثلك لا يذهب من بين الناس الا جسده، أما روحك فباقية.
وأبناؤك في جبل عامل متمسكون بعروتك يهتدون بهديك ويقتفون في الجهاد والصبر اثرك إلى أن تعلو كلمة الحق التي أفنيت عمرك في اعلائها.
للأستاذ أمين شرارة في رثائه : قضيت عمرك بالاصلاح تقطعه * بين العباد فما زلت بك القدم ورب محتدم للشر في نفر * من الخصوم اتوك الأمس واحتكموا مشوا إليك وصوت الحق ينهرهم * فلا جدال ولا بغضاء بينهم هديتهم فتحدث كم صنعت لهم * من الجميل وكم شيدت ما هدموا عدو التعصب بقلم: رئيس تحرير جريدة الجيل فقدت الأمة مجتهدها الأكبر السيد محسن الأمين ليخلف نعيه رنة وجوم ولوعة اكتئاب في كل نفس وقلب.
وإذا كانت الأمة تبكي كما ينبغي لها ان تبكي في الراحل الكبير الخلق الرفيع والمناقب السامية والعلم الغزير والرجولة الكاملة، فان جيل الأمة الجديد لينحني بخشوع واجلال امام الفقيد الكبير وقد مثل في فيض علمه ومعرفته ما تنطوي عليه الأمة من قوى التفوق والنبوع والابداع وعبر في جليل حياته واعماله عما تزخر به نفسية الأمة من سمو ونبل ورفعة فإذا السيد محسن الأمين وإذا معنى وجوده درس يمكن أبناء الجيل الجديد الصاعد من ايمانهم بامتهم ودفين قواها وكامن ابداعها وسمو نفسيتها ويوطد فيهم اليقين بطبيعة امتهم وبما تؤهلها الحياة من تفوق ورفعة وانتصار.
ان الأمم تجعل من حياة رجالها الأفذاذ ذكرى تلقن أبناء الجيل الصاعد ما تستطيع نفوسهم إذا صفت كصفاء نفوس هؤلاء الرجال الأفذاذ ان تحقق في حقول البناء والإنشاء والخير والجمال، وان لأمتنا ان تجعل من حياة السيد محسن الأمين ذكرى تفتح في الجيل الجديد مكامن الخير والعز ومطاوي الرجولة والنبالة.
فإذا لم تكن الذكرى حافزا للايمان بمعانيها وقيمها وفضائلها ومناقبها ولتحقيق هذه المعاني والقيم والفضائل والمناقب خرجت عن مغزاها وحقيقتها لتعبر فقط عن مظاهر ومراسم وأشكال.
لقد كان العلامة الجليل والمجتهد الأكبر رجل الدين الصحيح السليم على أتم ما ينبغي ان يكون عليه رجل الدين الصحيح السليم في مجتمع قومي متفوق.
فقد حمل رسالة التطور في أمور الدين يجتهد في وسائله وطرقه وأساليبه ليحقق مراميه السامية ومغازيه الرفيعة واضعا حدا لكل ما هو دخيل على الدين مما يقيد العقل ويفسح المجال لمصطلح الخرافات والبدع فكان هذه القمة الشامخة في تفهم الدين على حقيقته وجوهره لرقي المجتمع وارتقاء نفسيته وتحسين سعادته.
لقد أبى عليه ايمانه العميق بجوهر الدين وحقيقته ومعناه ان يحجر المجتمع في قوالب جامدة تحت ستار الدين ومقتضياته ليجعل من الدين كما هو على حقيقته واسطة في المجتمع إلى التطور والارتقاء والنمو.
ولقد حال وعيه القومي وايمانه الديني العميق ان تتغلب فيه العصبية الدينية المذهبية فتخرب وحدة المجتمع وتعرض وحدة مصيره للدمار والفناء فابى حين أراد الانتداب الإمعان في تمزيق وحدة الأمة بتقسيم المحاكم الشرعية أبى ان يوافق الانتداب على ارادته المجرمة. وأعلن في قوة وجرأة ووعي قومي نبيل رفضه ذلك فضرب مثلا وأي مثل على سمو الايمان القومي وعلى ان الأحوال الشخصية ليست على جلالها مما ينبغي هدر مصلحة المجتمع على مذبح شكلياتها وعلى ان الدين والمذهب لا يصح ان يتخذا سبيلا لتدمير مصير المجتمع تحت ستار الغيرة على احكامهما وقواعدهما.
وبلغ الوعي القومي بالسيد محسن الأمين القمة حين ترفع وهو رجل الدين الخطير عن أن ينغمس في مزالق السياسة والأعمال السياسية معطيا الدرس البليغ عن رجل الدين ومهمته الحقيقية الصحيحة فقصر عمله على مضمار التوجيه النفسي الروحي وعلى بناء النفوس على سنن جوهر الدين وجوهر قواعده وأبى ان ينحدر بالدين إلى اتخاذه واسطة التجارة والاستغلال وبناء النفوذ السياسي ومزاحمة السياسيين على نفوذهم وسلطانهم.
ففصل في عمله وحياته وتصرفاته بين الدين، كظاهرة روحية في المجتمع وبين الدولة كمظهر حقوقي سياسي شامل للمجتمع ترتقي بارتقاء نفسية المجتمع التي تمثله.
هذا هو المجتهد الأكبر، والعلامة الجليل والرجل النبيل والوطني الواعي والمؤمن الحق الذي فقدته الأمة اليوم. فترك وراءه ذكرى عاطرة تفتح في الجيل الصاعد وفي رجال الدين الصحيح قيم الحياة ومعانيها ومغازيها ومعاني الدين على حقيقته وجوهره.
من مراثيه للسيد امين احمد الحسيني في رثائه:
طأطئ يا أمة العرب أسىء * واندبيه فعلى الدنيا العفا