الجم وحديثه العذب ملء الاسماع والأبصار تعمر به الأندية والمحافل ويحتفي بمقدمه العلماء والعظماء وسائر الطبقات من كرمانشاه وهمذان ونيسابور وملاير وقم فطهران فخاتمة المطاف مشهد الرضا عاصمة خراسان وما بين هذه المدائن من قرى ألم بها إلماما.
لقد كانت عواطف الإيرانيين تتمثل في تلك الخطب الرنانة التي كان يتدفق بها أعاظم خطبائهم على منابر المساجد بعد كل صلاة كان يؤم بها الناس، فما هو ان ينتهي من الصلاة حتى يصعد الخطيب المنبر للوعظ على عادتهم فيشيد بين التهليل والتكبير بضيف إيران العظيم ويعدد ماثره وفضله، وفي مسجد طهران الأكبر صعد الخطيب المنبر مرة فكان مما قاله:
أيها الإيرانيون ما نعمتم بزيارة زائر لبلادكم بعد زيارة الإمام علي الرضا كما نعمتم بزيارة هذا الزائر العظيم، اننا لنكاد نحس ان الامام عليا الرضا يزورنا ثانية وانه الساعة ماثل بيننا بشخص آية الله السيد محسن على هذا النحو كانت إيران تحوطه بالتبجيل وتستقبله بالاعظام.
من مراثيه للأستاذ سعيد فياض في رثائه:
يا محسنا ضج الفخار لموته * والمجد صوح واليراع بكاه كنت التقي بعالم عاف التقى * وتلمظت بشروره شفتاه فنثرت في دنيا الشرور مشاعلا * ضاء الهدى فيها وذر سناه خسرت بك الدنيا منار فضيلة * ملأ الربوع رواؤه وضياه للسيد عادل الحاج يوسف في رثائه:
مداركك العميمة بحر علم * لآلئه مشعشة السناء خدمت شريعة الهادي مكبا * على استكشاف ما خلف الغطاء فقدت زمامها وحللت منها * جميع المعضلات بلا عناء فكنت المرجع الأعلى إماما * تفرد بالفتاوى والقضاء لقد أحدثت بالفصحى فراغا * ورزء لا يعوض بالعزاء ولدت وعشت في الدنيا شريفا * رفيع الخلق خصم الكبرياء وكاسمك كنت في الفيحاء سمحا * كريما لا يبارى بالسخاء لديك الناس من قاص ودان * سواء في الشدائد والرخاء جزاك الله عن دنيا معد * وعن عمل الهدى خير الجزاء علماء دمشق يؤبنونه قال السيد محمد سعيد حمزة نقيب أشراف دمشق في تأبينه:
كان في سيرته يذكرنا بسيرة السلف الصالح زهدا في الجاه وبعدا عن المنصب وترفعا عن الصغائر وانصرافا إلى ما فيه من الخير والاصلاح ودفعا للجماعة الاسلامية في طريق التقارب والالتقاء حتى لا تكون مشتتة الهوى ممزقة الكلمة تنسى كلمة الله الجامعة ووحدة الدين الخالد ولقد عرفنا له في هذه الناحية مواقف ممتازة كنا في أشد الحاجة إليها، ولم يكن يأخذ نفسه بها فحسب ولكنه كان يهدي إليها كل من حوله حاثا عليها محببا بها.
واما في علمه فان الإنسان ليقف مبهوتا امام هذا الجهد الهائل الذي بذله فقيدنا العظيم وهذا الإنتاج الوفير الذي من الله سبحانه وتعالى عليه به، وهذه السلسلة الضخمة من الكتب التي كان يقضي بياض النهار وسواد الليل في تسويد صفحاتها وجمع شواردها وتاليفها والاجتهاد فيها لا يصرفه عن ذلك عائق من عوائق الدنيا ولا علائق من علائقها، ولا يغريه مجد حققه فيقعد عن مجد لم يحققه وانما كان عمله غاية نظر إلى الغاية التي تعلوها.
وهكذا أعاد الفقيد الكبير إلى علمائنا الذين كانوا يترهبون في الحياة الاسلامية صورا من حياة سبيل في العلم والذين كانوا لا يرفعون أعينهم عن كتاب الا لكتاب آخر ولا ينفضون يدهم من مؤلف الا ليبدأوا مؤلفا آخر، أعاد إلى أذهاننا صورا من حياة السيوطي وابن قيم الجوزية والغزالي وهذه الطائفة التي كانت منار الهدى ومنبع العرفان.
وقال الشيخ هاشم الخطيب:
لقد نهض بابناء طائفته الجعفرية في سوريا ولبنان وجبل عامل نهضة مباركة وخطى بهم خطوة طيبة حببت إليهم جميع اخوانهم من المسلمين والعرب كما حببتهم أيضا إلى الجميع فكانوا يدا واحدة اخوانا متحابين على سرر متقابلين تجمعهم وحدة الاسلام وتنظم أهدافهم وغاياتهم المصلحة العامة والقومية العربية التي ينصهر في وحدة كيانها كل خير.
لقد كان الأمين رحمه الله واقفا لدسائس المغرضين وحركات الأعداء والمستعمرين بالمرصاد فكان يحذر في مؤلفاته المتعددة ومقالاته السامية ونصائحه القويمة وارشاداته الحكيمة من تفريق الصفوف ويدعو إلى التعاون وتمتين اواصر المحبة والآخاء بين جميع المسلمين والعرب.
وان مدرسته المحسنية بجميع فروعها التي أسسها على حب التسامح والآخاء قد أثمرت ولله الحمد ثمرتها المنتظرة ونرجو لها دوام التقدم والازدهار بهمة من يسيرون على نهج مؤسسها المخلص الوفي.
وقال الشيخ بهجة البيطار:
عرفت المجتهد الامام السيد محسن الأمين صديقا لعلامتي الشام جدي الشيخ عبد الرزاق البيطار، وأستاذي الشيخ جمال الدين القاسمي، تغمد المولى الجميع برحمته ورضوانه، فقد كان يجتمع بهما ويتبادل الزيارة معهما، ودامت هذه الصلة بعد وفاة الشيخين إلى أن لقي السيد وجه ربه.
وقد تفضل باهدائي الجزء الأول من أعيان الشيعة، وكتب عبارة الاهداء بخطه، ولما تصفحت هذا الكتاب، رأيت فيه جميع ما للشيعة الكرام من اخبار وآثار، ومعتقدات ومصنفات، وقد دفع عنهم المطاعن والمفتريات، ودعا إلى توحيد الكلمة بينهم وبين اخوانهم من أهل السنة، ومن أجل اعمال الفقيد الكبير ان أبطل ما كان يجري كل عام في ضاحية دمشق المسماة بقرية الست من لطم الخدود، وشق الجيوب، واسالة الدماء، واستعاض عنه بقراءة سيرة أئمة آل البيت ع في المدرسة المحسنية، وقد شهدت في إحدى السنين ذلك الحفل العظيم، في الليلة العاشرة من المحرم، وسمعت سيرة الأئمة ومآسيهم نظما ونثرا، بحضور الألوف المؤلفة من سنة وشيعة، ثم دعاني الفقيد الكبير إلى الخطابة، فلم تسعني الا الإجابة.
وقال الشيخ سعيد العرفي مفتي دير الزور:
اني لا أريد ان أذكر ما تحمله الإمام الحجة من شدة ونكبات بصورة