النساء في مجالسهم الا قليلا وإذا اضطر الرجل إلى ذكر زوجته قال أهلنا لا يقول زوجتي ولا يقولون صهري بل إذا ذكروا الصهر قالوا نسيبنا ولا يذكرون الطعام في مجالسهم بان يقولوا اكلنا كذا وصنعنا الطعام الفلاني بل قد يتحدثون عن كرم الكرماء فيقولون فلان عمل دعوة عظيمة أو شبه ذلك وهم أهل وفاء وويل لمن أخطأ معهم.
وفي مجالس العزاء يجلسون ثلاثة أيام تقرأ فيها قصائد الرثاء وكذلك في التهاني والأعراس ومن حضر من سفر يجلس ثلاثة أيام فتجئ الناس وتسلم عليه صباحا ومساء والزيارة في كل الأيام انما تكون نهارا والنساء أيضا يجلسون للعزاء منفردات عن الرجال ولهن نوائح صناعتهن النياحة على الأموات وعلى الحسين ع في أيام عاشوراء وغيرها ومنهن من تنشد الشعر الزجلي ارتجالا ومجالسهن منفردة عن مجالس الرجال وكانت رئيستهن نائحة تسمى ملا وحيدة بتشديد الياء وكانت تنشد الشعر الزجلي للنياحة ارتجالا ولها مجموعة كبيرة من انشائها في الحسين ع وفي غيره فمن شعرها الزجلي في غير الحسين ع قولها في قتيل في معركة:
منين اجتك هذه الطرقاعة * يا صخر مرمر صعب مشلاعه يا صخر مرمر صعب ما ينشلع * ما حلالي علتفك مثلك جرع صواب ابن كيوان هلحدر الضلع * وأنت بو جاسم يسم الساعة ومن شعر العراقيين الزجلي ما سمعته من ملاح في سفينة:
مدكدكة وحلوى ورفيعة * وشايلا الكيمر تبيعه حيف بيها هالطبيعة * بالدرب تمشي وحدها ومنه قول آخر:
يا ليتني صفصاف * وأنبت علجراف وحبي بذاك الصوب * ومنين أنا خاف الخروج من العراق إلى الشام كتب إلينا شيعة دمشق يطلبون حضورنا إليهم والسكنى عندهم.
فخرجنا من النجف في أواخر جمادي الثانية سنة 1319 بعد ما أقمنا فيها عشر سنين ونصف السنة.
في الكاظمية ووصلنا الكاظمية فأصابني فيها رمد شديد حتى كنت لا أستطيع النوم ليلا ولا نهارا فأشار علي بعضهم بتدخين الترياك الأفيون فجررت من دخانه مرة واحدة بالآلة المسماة بالبابور فوجدت له رائحة خبيثة وسكن ما بعيني من الوجع ونمت تلك الليلة.
وأودع رفقاؤنا أمتعتهم في بيت من بيوت أجلاء الكاظمية فلما عزمنا على المسير افتقدوا دراهم اعتقدوا انها كانت في تلك الأمتعة فضاقوا بذلك ذرعا. ثم تبين أنها لم تكن في الأمتعة وهذا أمر يجب التحرز منه فمن أراد ان يودع شخصا أمانة فليعدها عند تسليمه إياها ويسلمها إياه ظاهرة حتى لا يقع في مثل هذا.
ثم اكترينا بغالا وتهيانا للسفر وطلبنا تذاكر مرور فجاء السيد حمادي صاحبنا قبل عشر سنوات ونصف الذي تعنتنا في أمر تذاكر المرور كما سبق فأعطيناه تذاكر النفوس والرسم المعين لها وهو ثلاثة أرباع المجيدي وربع مجيدي له عن كل تذكرة، ومعنا رجل عاملي من ناحية الشقيف عسكري هرب من اليمن وجاء مشيا على اقدامه إلى العراق فقلنا له وهذا أيضا تذكرة نفوسه ضائعة فجئ له بتذكرة مرور فقال له أنت اسمك الحاج محمد الأصفهاني إيراني التبعة وذهب ليأتي بتذاكر المرور، وفي ليلة سفرنا عاد ومعه الدراهم وتذاكر النفوس وقال إنه ما تمكن من اخذ تذاكر مرور لنا الا للعسكري الفار فاحضر له تذكرة مرور باسم الحاج محمد الأصفهاني فعجبنا من ذلك.
السفر إلى الشام وفي الصباح سرنا على اسم الله تعالى وإذا بالسيد حمادي يقف امام الكجاوات ويطلب تذاكر المرور فقلنا له على يدك دار الحديث ونقدناه روبية فرجع.
في الرمادي ولما وردنا الرمادي جاء مأمور النفوس يطلب تذاكر المرور فذكرنا له القصة فقال نعطيكم تذاكر من هنا وكنا نسينا تذاكر النفوس في الكاظمية فقال لا يضر ولكنا نريد كفيلا فقلنا وأنى لنا ذلك ونحن غرباء قال هذا صاحب الخان يكفل فقال لا يا أفندي انا لا أقع تحت المسؤولية فقال اعطوه ربع مجيدي فأعطيناه فارتفعت المسؤولية واخرج الختم المبارك وختم سند الكفالة وانتهت المشكلة واتى مأمور النفوس بالتذاكر كاملة وقال لنا لا تؤاخذوني فان دولتنا ترسل المأمور وتقول له ارتش وخذ أموال الناس وافعل ما تشاء، أنا رجل بغدادي وان قلت لكم انني من أهل البيوتات المحترم فربما لا تصدقونني ولكن أفرضوني كما تشاؤون فهل عيش بغداد كعيش الرمادي ففي أكثر الأيام ارسل إلى السوق عند الضحى فلا أجد الخضر ومعاشي في الشهر خمس مجيديات فهل تكفيني ثمن التتن فإن لم أتعلق بكم وبسواكم ما اصنع قلنا له لا نؤاخذك.
في القائم وسرنا حتى وردنا مكانا يسمى القائم وهناك قلعة فيها مدير ناحية وعسكر فضربنا خيامنا بجنبها وقريب منها اعراب نازلون فجاءونا ليلا ونهبوا بعض أمتعتنا متمثلين بقول القائل:
إذا هو ألهي الناس جل أمورهم * فندلا زريق المال ندل الثعالب ولحقناهم فاستخلصنا البعض منهم وفروا بالباقي هذا وحضرة المدير وعسكره الموظفون لحفظ الأمن إلى جانبنا قد أغلقوا عليهم باب القلعة وناموا.
في دير الزور ثم وردنا دير الزور ذات الخيرات والنعم ثم تزودنا منها وخرجنا فوردنا قباقب.
في قباقب وهناك قلعة فيها جند وبئر بعيدة المدى يستقى منها بالناضح وهناك الاعراب يستقون بناضحهم فيجر البعير الدلو العظيمة ويذهب بعيدا حتى