فيها الذهب الأبريز وشملنا الفرح والسرور ثم دخلنا الكاظمية فجاءنا رجل يسمى السيد حمادي يطلب تذاكر المرور فأعطيناه إياها فلما لم يجد فيها مغمزا اخذ يتعنت فيقول صاحب هذه التذكرة عمره فيها ثلاثون ويلوح من رؤيته انه ابن أكثر أو أقل فعلمنا مراده ودفعنا له شيئا من الدراهم وانصرف.
ودخلنا الحضرة الشريفة في الكاظمية فاجتمع علينا الخدمة وبعد الفراع من الزيارة أكرمناهم بريال مجيدي فاحضروا شمعدانا ووضعوا المجيدي عليه وقالوا لي ما اسمك ظنا منهم ان كل واحد منا سيعطيهم مجيديا فقلت له هذا عن الجميع. وبعد ما ذهبنا إلى الحمام توجهت أنا وبعض الرفاق إلى بغداد لنشتري بعض اللوازم وبين بغداد والكاظمية عربات تجرها الخيل تذهب كل ساعة عربة من بغداد واخرى من الكاظمية فيلتقيان في منتصف الطريق ويوجد دواب أيضا فوجدنا العربة قد ذهبت فاكترينا دوابا وركبناها إلى بغداد وجاء أصحابها ليتسلموها على العادة فقال لهم رفيقي هاتوا من يشهد انكم أصحابها فقالوا له وهل من الممكن ان يتعرض لها غير أصحابها فقال اذهبوا معنا إلى احمد صندوق لنسلمكم إياها عن يده فسبوه وسبوا احمد صندوق فنزل حينئذ فلما انصرفوا لمته على ما فعل وقلت له هل من الممكن انه كلما ركب أحد دابة لهم يأتونه ببينة على أن الدابة لهم فقال انا اعلم ذلك ولكن أردت ان يدلونا على احمد صندوق وذهبنا إلى متجر احمد صندوق الشامي فرأينا في طريقنا قطعة على باب كتب عليها بنك شاهنشاهي بنك إيران وأمامه اثنان من الهنود فسألنا عنه فقيل لنا انه بنك إنكليزي باسم إيران ومررنا في يوم آخر صباحا فلم نجد القطعة فقلت لرجل هل نقلوا البنك من هنا قال لا قلت وما فعلت القطعة قال يرفعونها بالليل لئلا تسرق ويضعونها في النهار فتعجبت من وقوع ذلك في بلد فيه وال ومشير وهو عاصمة البلاد وذهبنا إلى سوق الصفارين لنشتري بعض الأواني النحاسية فرأينا سوقا طويلة فيها دكاكين من الجانبين وليس فيها غير صفارين فجئنا إلى أول دكان وسمنا النحاس فقلت لصاحبي لنشتر فقال لا حتى نسوم في دكان آخر فقلت في نفسي هذا معقول فسمنا في الدكان الآخر فكان السعر واحدا فقلت له اشتر فلم يفعل وانتقل إلى الثالثة فسكت وصبرت ولم أقل له اني لا أستطيع معك صبرا ولم يقل لي هو ان فعلت مثل هذا فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا لكنني عزمت على عدم مصاحبته بعد هذا واستمر على الانتقال من دكان إلى آخر حتى أتم الصف الأول وانتقل منه إلى الصف الثاني فأتمه إلى آخره ثم إلى الصف الثالث فأتمه إلى آخر دكان منه وكان السعر في الجميع واحدا ثم تقدمنا إلى الدكان الذي جئناه أولا فاشترينا منه حاجتنا بالسعر الذي وجدناه في باقي الدكاكين وكان لهذا الرجل آراء غريبة وأفعال عجيبة اعرضنا عن ذكرها وان كنا لم نذكر اسمه لأننا لا نريد ان ينسب مثلها إلى رجل من جبل عامل.
وكان صاحب الدار التي نزلناها إيرانيا وزوجته كذلك فكنت اسألها عن بعض الأسماء بالفارسية واكتبها وقبل ذلك كنت قد حفظت بعض الألفاظ الفارسية في جبل عامل وكان في تمرية ميس رجل عراقي يتكلم بالفارسية مع خالي فأردت ان أتعلم منه فقلت له هنا فقال اينجا فقلت هناك فقال كذلك اينجا فقلت هذا لا يمكن ومزقت الورقة.
في سامراء ثم ذهبنا لزيارة مشهد سامراء، وسامراء بناها المعتصم انتقل إليها من بغداد وهي مخفف سر من رأى فركبنا الحمير البيضاء والكجاوات للنساء فبينما نحن نسير إذ قال لي المكاري الزم فلم أدر ما يريد بذلك وما كان بأسرع من أن وجدت نفسي على الأرض وعلمني ذلك معنى الزم اي أمسك نفسك جيدا لأنه يريد ان يصيح بالحمير فتطير وقبل وصولنا إلى سامراء مررنا بجانب جسر قديم يسمى جسر حربي بناه بعض ملوك العباسيين وعليه تاريخ بالأجر وعبرنا دجلة من غربيها في القفف فكان النوتية السامرائيون يوقفونها في وسط الشط وهي تدور فيأخذون من الأجرة ما شاؤوا إلى أن بنى الميرزا الشيرازي جسرا للعبور فوجدناها تعج عجيجا بالعلماء والطلاب والزائرين وأرباب الحوائج والميرزا الشيرازي متحجب في داره لا يراه أحد الا بإذن ويحضر درسه فحول العلماء وخادمه الشيخ عبد الكريم محيي الدين يمشي ذاهبا وجائيا والناس تناديه من كل مكان وأرباب الحوائج يكلمونه من هنا ومن هنا وهو لا يغضب ولا ينتهر أحدا وجلس الميرزا يوما في دهليز داره على كرسي وأذن للناس بالدخول عليه فيدخلون ويسلمون ويسألونه عما يريدون ويخرجون ودخلنا عليه فيمن دخل فسألته عن شئ لا أتذكر الآن ما هو فقال يستعمل فيه القرعة وعن نذر الأئمة فقال فيما أظن نحن لا نجيزه الا للزائرين ثم عدنا من سامراء إلى كربلاء.
في كربلاء فدخلناها في ذي الحجة وأدركنا بها زيارة عرفة ووجدنا فيها طائفة من العامليين من بني عمنا وغيرهم وسمعت كلامنا بنت عمنا السيد محسن النجفية فوجدته لا يفترق شيئا عن كلام أهل العراق فعجبت من ذلك ثم ذهبنا إلى النجف بطريق الماء.
في النجف ونزلنا في دار بعض بني عمنا وفي يوم وصولنا قال لي ان لي صديقا كان في بلاد إيران وحضر فاذهب معي للسلام عليه فذهبنا نحو الساعة التاسعة نهارا وسلمنا عليه وجاءوا لنا بالسكاير والشاي والقهوة فشربنا وبقينا إلى نحو الساعة العاشرة فأشرت إليه بالذهاب فلم يفعل وقام ناس وجاء آخرون فأشرت إليه بالقيام فلم يفعل ولا يناسب ان اخرج وأدعه ومع ذلك فلست اهتدي الطريق إلى الدار إلى أن بلغت الساعة نحو الحادية عشرة فأشرت إليه بالقيام فلم يقم وقرب وقت المغرب فذهب الناس جميعا وأشرت إليه بالقيام فلم يفعل إلى أن صارت الساعة نحو الواحدة فكان الحال كذلك والى الساعة الثانية ونحن جلوس فلما صارت الساعة الثالثة جئ بالعشاء فتعشينا معهم وما قمنا حتى قاربت الساعة الرابعة فقلت له هذا فراق بيني وبينك لن أصحبك بعدها ابدا ثم اكترينا دارا في محلة الحويش وانتقلنا إليها وشرعنا في الدرس والتدريس وكان جارنا الشيخ ملا حسين قلي الهمذاني الفقيه العارف الأخلاقي المشهور فحضرت يومين في درسه الأخلاقي ثم تركت وعكفت على دروس الأصول والفقه ثم ندمت على أن لا أكون حضرت درسه الأخلاقي إلى آخر حياته وقد توفي ونحن في النجف الأشرف وكان جل تلاميذه العرفاء الصالحون وفيهم بعكس ذلك لأن الحكمة كماء المطر إذا نزل على ما ثمره مر ازداد مرارة وإذا نزل على ما ثمره حلو ازداد حلاوة.
وبعد الاستقرار في تلك الدار شرعنا في القراءة على المشايخ وشرع الطلاب في القراءة علينا. وكانت صاحبة الدار تسكن فيها معنا لأنها كانت متزوجة برجل من بيت الخرسان ولها ابن منه توفي فورثت الدار منهما وكانت تسكن معها ملا نائحة على الحسين ع ذاكرة لمصيبته وهي طرشاء واسم