ومنها ايذاء النفس وادخال الضرر عليها بضرب الرؤوس وجرحها بالمدى والسيوف حتى يسيل دمها وبضرب الظهور بسلاسل الحديد وغير ذلك. وتحريم ذلك ثابت بالعقل والنقل وما هو معلوم من سهولة الشريعة وسماحتها الذي تمدح به رسول الله ص بقوله: جئتكم بالشريعة السهلة السمحاء ومن رفع الحرج والمشقة في الدين بقوله تعالى:
ما جعل عليكم في الدين من حرج.
ومنها الصياح والزعيق بالأصوات المنكرة القبيحة.
ومنها كل ما يوجب الهتك والشنعة مما لا يدخل تحت الحصر ويختلف الحال فيه بالنسبة إلى الأقطار والأصقاع إلى غير ذلك.
فادخال هذه الأشياء في إقامة شعائر الحزن على الحسين ع من المنكرات التي تغضب الله ورسوله ص وتغضب الحسين ع فإنما قتل في احياء دين جده ص ورفع المنكرات فكيف يرضى بفعلها لا سيما إذا فعلت بعنوان انها طاعة وعبادة.
وقد رأينا في هذه الأيام أوراقا مطبوعة ذكر فيها صاحبها انه يرد على ناشئة عصرية من صفتها كذا وكذا فطائفة منها ازدلفت إلى مشاهدهم المقدسة ببقيع الغرقد فهدمتها وطائفة منهم قد تألبت لابطال إقامة العزاء للنبي وآله وعترته أيام وفياتهم المعلومة لا سيما يوم عاشوراء.
وحسن فيها ما يفعله بعض الناس أيام عاشوراء من لبس الأكفان وكشف الرؤوس وجرحها بالمدى والسيوف حتى تسيل منها الدماء وتلطخ بها تلك الأكفان ودق الطبول وضرب الصنوج والنفخ في البوقات الدمام وغير ذلك والسير في الأزقة والأسواق والشوارع بتلك الحالة.
وعرض بنا بسوء القول لنهينا عن قراءة الأحاديث المكذوبة وعن هذا الفعل الشائن للمذهب وأهله والمنفر عنه والملحق به العار عند الأغيار والذي يفتح باب القدح فيه وفي أهله ونسبتهم إلى الجهل والجنون وسخافة العقول والبعد عن محاسن الشرع الاسلامي واستحلال ما حكم الشرع والعقل بتحريمه من ايذاء النفس وادخال الضرر عليها حتى أدى الحال إلى أن صارت صورهم الفوتغرافية تعرض في المسارح وعلى صفحات الجرائد.
وقد قال لنا أئمتنا ع كونوا زينا لنا ولا تكونوا شينا علينا وأمرونا بان نفعل ما يقال لأجله رحم الله جعفر بن محمد ما أحسن ما أدب به أصحابه. ولم ينقل عنهم انهم رخصوا أحدا من شيعتهم في ذلك ولا أمروهم به ولا فعل شئ من ذلك في عصرهم لا سرا ولا جهرا حتى في أيام ارتفاع الخوف والتقية كأوائل دولة بنى العباس وعصر المأمون وغير ذلك.
وقد كتب على ظهرها انها للمصلح الكبير أ فهذا هو الاصلاح الذي يوصف صاحبه بالمصلح الكبير بالحث على أمر لو فرض محالا انه ليس محرما فهو يلصق العار بالمذهب وأهله وينفر الناس منه ويفتح باب القدح فيه أ ليس من الورع في الدين والاحتياط فيه التحاشي عنه أ ما يقتضي الاصلاح لو كان القصد الاصلاح تركه والتجافي عنه صيانة للمذهب وأهله من الصاق العيب بهم والتنفير عنهم فلو فرض إباحته فهو ليس من واجبات الدين التي يضر تركها.
وقد أفاض صاحبها في ذكر خرافات العرب قبل الاسلام مما لا مساس له بالموضوع وفي أمور أخرى كثيرة من هذا القبيل بعبارات مطولة ولسنا بصدد استقصاء جميع ما فيها مما يوجب الانتقاد لأن ذلك يطول به الكلام ولا يتعلق لنا به غرض بل نقتصر على شق الرؤوس واستعمال الطبول والزمور ونحوها ونذكر نموذجا من كلامه في غيرها مما وقع نظرنا عليه اتفاقا ليكون مثالا لغيره.
كقوله ومن فواجع الدهور وفظائع الأمور وقاصمات الظهور وموغرات الصدور ما نقلته بعض جرائد بيروت في هذا العام عمن نحترم اشخاصهم من المعاصرين الوطنيين من تحبيذ ترك المواكب الحسينية والاجتماعات العزائية بصورها المجسمة في النبطية وغيرها فما أدري أ صدق الناقل أم كذب فإن كان صادقا فالمصيبة على الدين جسيمة عظيمة لا ينوء بها ولا ينهض بعبئها عاتق المدينين إلى آخر ما هنالك.
ونقول: هذا التهويل وتكثير الأسجاع لا يفيد شيئا ولو أضيف إليه اضعافه من قاطعات النحور ومجففات البحور ومفطرات الصخور ومبعثرات القبور ومهدمات القصور ومسقطات الطيور. بل إن من فجائع الدهور وفظائع الأمور وقاصمات الظهور وموغرات الصدور اتخاذ الطبول والزمور وشق الرؤوس على الوجه المشهور وابراز شيعة أهل البيت واتباعهم بمظهر الوحشية والسخرية أمام الجمهور مما لا يرضى به عاقل غيور وعد ذلك عبادة ونسبته إلى أهل البيت الطهور. والمواكب الحسينية والاجتماعات العزائية لا تستحسن ولا تحل الا بتنزيهها عما حرمه الله تعالى وعما يشين ويعيب وينسب فاعله إلى الجهل والهمجية وقد بينا ان الطبل والزمر وإيذاء النفس والبروز بالهيئة المستبشعة مما حرمه الله ولم يرضه لأوليائه سواء وقع في النبطية أو القرشية أو مكة المكرمة.
وجاء فيها قالوا انا نجد قراء التعزية كثيرا ما يسردون على مسامع الجالسين أحاديثا كذا مكذوبة وأجاب بما لفظه: وكثير من أساطين العلماء يعملون بضعاف الاخبار من السنن ومن المعلوم ان روايات التعزية من سنخ الرخص لا العزائم والله يحب ان يأخذ برخصه كما يحب أن يأخذ بعزائمه.
وانا نسأله ما ربط عمل العلماء بالخبر الضعيف في السنن باخبار التعزية التي هي أمور تاريخية لا احكام شرعية وما ربط الخبر الضعيف بالمقام والقائل الموهوم انما قال إنهم يوردون أحاديث مكذوبة ولم يقل ضعيفة الاسناد وما معنى ان روايات التعزية من سنخ الرخص لا العزائم فالرخصة خاصة بالمباح والمستحب والمكروه والعزيمة بالحرام والواجب فما معنى ان روايات التعزية من الرخص فهل تلك الروايات نفسها مباحة أو مكروهة أو مستحبة فإن كان المراد نفس الرواية فلا تتصف بشئ من ذلك وإن كان المراد نقلها فأي معنى لقول نقلها رخصة لا عزيمة مع أنها إن كانت كذبا كان نقلها محرما وإن كان المراد مضمونها فهو قصة تاريخية لا تتصف برخصة ولا