تشبه ما عند المعتزلة بحسب طريقتهم في التعبير غير أن الكندي كما يقول الدكتور أبو ريدة يطبقها على نظام الكون في جملته وتفصيله. وان تفكيره يتحرك في التيار المعتزلي الكبير في عصره، دون ان يفقد طابعه الفلسفي القوي وشخصيته المميزة وروحه الخاصة...
ويتجلى تفكيره المعتزلي هذا عند بحثه في الاسلام وفيما جاء به النبي الكريم وهو يرى أنه يمكن فهم هذا كله بالمقاييس العقلية التي لا يدفعها الا من حرم صورة العقل واتحد بصورة الجهل على حد تعبيره. ويشترط لفهم معاني القرآن ان يكون المفسر من ذوي الدين والالباب عارفا بخصائص اللغة وتعبيراتها وأنواع دلالاتها عند العرب. فلقد طلب الأمير أحمد بن المعتصم من أستاذه الكندي ان يشرح له معنى الآية والنجم والشجر يسجدان فوضع تفسيره في رسالة سماها: رسالة في الإبانة عن سجود الجرم الأقصى وطاعته لله عز وجل وشرح في هذه الرسالة معنى السجود والطاعة في اللغة حقيقة ومجازا وينتهي إلى أن سجود النجوم أو الشجر لله يعني طاعتها للأنظمة والقوانين التي وضعها الباري عز وجل وألزم بها المخلوقات جميعها بما فيها الشجر والنجم مؤدية وظيفتها المعينة لها في نظام العالم والكون، وبذلك تحقق إرادة بارئها وتنتهي إلى امره. وهذا ما يمكن ان يعبر عنه مجازا بأنه سجود.
وللكندي اثر كبير في العقليات، تناولها الأوروبيون من بعض مؤلفاته التي طبعت في أوروبا منذ عهد العالم بالطباعة. وقد وضع نظرية في العقل، دمج فيها آراء الذين سبقوه من فلاسفة اليونان باراء له.
فجاءت نظرية جديدة ظلت تتبوأ مكانا عظيما عند فلاسفة الاسلام الذين اتوا من بعده من غير أن ينالها تغيير يذكر. ويرى بها بعض الباحثين انها من المميزات التي تتميز بها الفلسفة الاسلامية في كل عصورها. فهي تدل على اهتمام العرب والمسلمين بالعقل إلى جانب رغبتهم في التوسع في البحوث العلمية الواقعية.
وللكندي رسالة في أن الفلسفة لا تنال الا بالرياضيات. اي ان الإنسان لا يكون فيلسوفا الا إذا درس الرياضيات. ويظهر ان فكرة اللجوء إلى الرياضيات وجعلها جسرا للفلسفة، قد اثرت على بعض تاليفه فوضع رسائل في الايقاع الموسيقي قبل ان تعرف أوروبا الايقاع بعدة قرون...
وطبق الحروف والاعداد على الطب، ولا سيما في نظرياته المتعلقة بالأدوية المركبة. ويقول دي پور:... والواقع ان الكندي بنى فعل الأدوية كما بنى فعل الموسيقي على التناسب الهندسي. والامر في الأدوية أمر تناسب في الكيفيات المحسوسة. وهي الحار والبارد والرطب واليابس...
إلى أن يقول: ويظهر ان الكندي عول على الحواس ولا سيما حاسة الذوق في الحكم على هذا الامر حتى لقد نستطيع ان نرى في فلسفته شيئا من فكرة التناسب بين الاحساسات.... وهذا الرأي من مبتكرات الكندي لم يسبق إليه على الرغم من كونه خيالا رياضيا.
وكانت هذه النظرية محل تقدير عظيم عند كاردانو أحد فلاسفة القرن السادس عشر فاعمال العقل وحده لا يكفي في كثير من الحالات بل يجب ان يقترن ذلك بالتجربة والاختبار لتكون النتائج مستوفاة وصحيحة وموصلة إلى الحقيقة الكاملة.
واشتغل الكندي في الفلسفة، وله فيها تصانيف ومؤلفات جعلته من المقدمين ويعتبرها المؤرخون نقطة تحول في تاريخ الفكر العلمي عند المسلمين.
وهو في واقع الامر عالم موسوعي جماع للعلوم. وكثير من كتبه يتصل بالعلوم والفلسفة اتصالا مباشرا. وقد ترجم جيرارداوف كريمونا وغيره قسما كبيرا منها فاثرت تأثيرا عميقا في الشعوب اللاتينية.
وتمتاز رسائله ومؤلفاته بشمولها العام لميادين المعرفة، وقد دللت على اهتمامه بكل الاتجاهات والتيارات الفكرية في عصره معتمدا على العقل والبحث والدرس فما خالف العقل اهمله ونأى عنه حتى لو قال به أرسطو أو أفلاطون غير عابئ بقداسة الماضي وسلطانه، وما ساير العقل تمسك به وأخذه ودافع عنه.
ويعترف الأقدمون باثره في الفلسفة وفضله عليها. فقال ابن أبي أصيبعة:... وترجم الكندي من كتب الفلسفة الكثير، وأوضح منها المشكل، ولخص المستعصب وبسط العويص... وهذا يدل على أنه قد فهم الفلسفة، وعلى ان فهمه وصل درجة أخرجتها من اليونانية إلى العربية. وكان يهدف من دراسته الفلسفية ان يجمع بينها وبين الشريعة، وقد تجلى هذا في أكثر مصنفاته.
وقال البيهقي:... وقد جمع في بعض تصانيفه بين أصول المعقولات... وقد وجه الفلسفة الاسلامية وجهة الجمع بين أفلاطون وأرسطو.
ويتبين منها ان الكندي يقف في ارض ألين بقدم ثابتة كما يقول الأستاذ أبو ريده، فقد دافع عن النبوة بالاجمال وعن النبوة المحمدية خاصة وفهم الوحي الاسلامي فهما فلسفيا ولا تفتا تظهر في رسائله عبارات واضحة تدل على روح الايمان العميق وقد اضطرته روح الايمان هذه إلى مخالفة أرسطو في قدم العالم والى تأكيد العناية الإلهية وصفات الاله المبدع الفعال المدير الحكيم ويخرج من نظره الفلسفي بوجهة نظر عامة تقوم على فهم الدين بالعقل الفلسفي وتنتهي إلى مذهب ديني فلسفي معا....
ويمكن القول إن الكندي كما يقول ماسينيون امام مذهب فلسفي اسلامي. وقد اثرت الفلسفة على اتجاهات تفكيره، فكان ينهج منهجا فلسفيا يقوم على العناية بسلامة المعنى من الوجهة المنطقية واستقامته في نظر العقل.
وله منهج خاص به... يقوم أولا على تحديد المفهومات بألفاظها الدالة عليها تحديدا دقيقا بحيث يتحرر المعنى.... وهو لا يستعمل