واحد من هؤلاء ينسب له رواية أو قصة يؤيد فيها ما ذهب إليه في عقيدة الكندي وملته، على أن عقيدته تستفاد من قراءة ما تبقى من مؤلفاته، وترجمته، وتعرف بما مر عليه من الاحداث التي كان مشاركا فيها، ونكب من أجلها، ثم دراسة اخبار تلاميذه، ومعتقداتهم، والخلفاء الذين عاصرهم، وكان عندهم عظيم المنزلة، وينفرد البيهقي بذكر الخلاف في ملة الكندي، ويتابعه الشهرزوري ثم يذكره السمرقندي في حكاية أكثرها أوهام، منها قوله كان يعقوب بن إسحاق الكندي يهوديا، ولكنه كان فيلسوف زمانه، وحكيم عصره، وكان مقربا عند المأمون، وقد دخل عليه يوما فاتخذ لنفسه مجلسا أعلى من مجلس أحد أئمة الاسلام، فقال هذا: انك رجل ذمي، فكيف تتخذ مكانا أعلى من مكان أئمة الاسلام، فأجاب يعقوب: لأني اعلم ما تعلم، وأنت تجهل ما اعلم، وتوهم مؤلف اكتفاء القنوع عند ذكره لمؤلفات الكندي المطبوعة فقال: كان في أيام الخليفة العباسي المأمون بن الرشيد، عالم نبيل من أقاربه، وهو عبد الله بن إسماعيل الهاشمي له الاطلاع الواسع، والبحث المدقق في الأديان، وكان صديقا للكندي الذي اشتهر بحب النصرانية، والتمسك بها يحاكى تمسك الهاشمي بالاسلام، وشدة إغراقه فيه، فكتب الهاشمي للكندي رسالة بليغة في محاسن دينه، وكتابه دعاه فيها إلى الاسلام، فرد عليه الكندي النصراني، رسالة أظهر له فيها وجوه صحة النصرانية بالأدلة القوية، طبعت الرسالتان معا سنة 1888 م في 180 صحيفة، وهما بليغتا العبارة، قويتا الحجة، عظيمتا الفائدة في هذا الباب، وعند رجوعي إلى الرسالة وجدت انها تنسب إلى عبد المسيح بن إسحاق الكندي، وتوهم أيضا الأب لويس شيخو فقال في كتابه مجاني الأدب، يعقوب بن إسحاق النصراني، له رسالة مشتهرة فند فيها اعتراضات ابن إسماعيل الهاشمي على النصرانية، ذكرها أبو الريحان البيروني في تاريخه، فرد عليه الأب انستاس الكرملي في مجلة لغة العرب بعد ان اورد نص عبارته، قال: يظهر من هذا الكلام انه نقل كلامه هذا عن أبي الفرج، والحال ان أبا الفرج قال: ولم يكن في الاسلام من اشتهر عند الناس بمعاناة علم الفلسفة حتى سموه فيلسوفا غير يعقوب هذا، وقال الكرملي: يظهر هو زيادة الأب شيخو، فقوله له اليد الطولى بعلوم اليونان، والهند، والعجم، لا ينطق به ابن العبري، ولا العربي الفصيح، واما دسه لم يكن في العرب، فالذي في الأصل، لم يكن في الاسلام، ثم لا نفهم كيف يكون أبو يعقوب أميرا على الكوفة لو كان نصرانيا، وأهل الكوفة منذ صدر الاسلام كانوا متمسكين بدينهم الحنيف، فكيف يقبلون عليهم أميرا نصرانيا، هذا من جهة هذه الترجمة، وأما من جهة ابن العبري باسلامية الكندي فصريح من قوله لم يكن في العرب، وبين الكلامين فرق لا يخفى على المطالع. (9) والظاهر أن الأب شيخو اقتبس كلامه من اكتفاء القنوع المار الذكر بدون الإشارة إليه، فظن الأب الكرملي انه مقتبس من كلام ابن العبري للتشابه بالعبارات، واتهم الكندي أيضا في التشكيك بالقرآن الكريم قال كليموفيتش: وكان فيلسوف العرب الكندي الذي كان يتجه بارائه نحو فلسفة أرسطو يشك بالقرآن لأنه كان يجد فيه متناقضات، وضعف أسلوب، وعدم تناسق، وترتيب، ومن الممكن ان كليموفيتش اطلع على ما ذكره الحافظ العسقلاني فظن العكس، قال في لسان الميزان عن ابن النجار قال: وكان أبو يوسف يعقوب بن إسحاق الكندي متهما في دينه، ثم ساق من طريق أبي بكر النقاش المفسر عن أبي بكر بن خزيمة قال: قال أصحاب الكندي له اعمل لنا مثل القرآن؟ فقال: نعم، فغاب عنهم طويلا، ثم خرج عليهم فقال: والله لا يقدر على ذلك أحد (13) وقيل إنه كان يذهب في نسب يونان إلى أنه أخ لقحطان، فاتخذ من رأيه هذا حجة في اتهامه بالالحاد، قال المسعودي: كان يذهب في نسب يونان إلى أنه أخ لقحطان، ويحتج لذلك باخبار يذكرها، ويوردها من حديث الآحاد، والافراد، لا من حديث الاستفاضة والكثرة، وقد رد عليه أبو العباس الناشي في قصيدة طويلة قال:
أبا يوسف اني نظرت فلم أجد * على الفحص رأيا صح منك ولا عقدا وصرت حكيما عند قوم إذا امرؤ * بلاهم جميعا لم يجد عندهم عندا أ تقرن الحادا بدين محمد * لقد جئت شيئا يا أخا كندة إدا وتخلط يونانا بقحطان فضلة * لعمري لقد باعدت بينهما جدا والناظر في مؤلفات الكندي، يرى أنه لم يخرج عن حد العقليات، وليس من مؤلفاته شئ في الدين، بل إنه اشتهر برأي خاص في واجب الوجود خالفه فيه المتشددون من أهل عصره، واخذوا عليه رأيه المذكور الذي أودعه رسالته في التوحيد، قال البيهقي انه قد جمع في بعض تصانيفه بين أصول الشرع، وأصول المعقولات. (16) وذكره السيد ابن طاووس فقال: وقيل إنه من علماء الشيعة الشيخ الفاضل إسحاق بن يعقوب الكندي، وزاد عليه صاحب الذريعة فقال: من علماء الشيعة العارفين والنص الوحيد الذي عثرت عليه والذي يمكننا بواسطته التعرف إلى آراء الكندي الدينية، هو ما ذكره أحمد بن النظيم السرخسي قال: قال الكندي: لا يفلح الناس وعين تطرف رأت المتوكل، قال: وكان المتوكل أمر بضرب الكندي