نعم قد جوزوا طلاق السكران عصيانا مؤاخذة له بسوء اختياره، نحو ما سمعته منا في القصاص منه ونحوه مما لا يقاس عليه المقام الذي قد استفاضت النصوص أو تواترت ببطلان طلاقه، وجوزوا طلاق الهازل لأنه قاصد اللفظ والمعنى، لكن قصدا هزليا، وقد رووا عن النبي صلى الله عليه وآله " (1) ثلاثة جدهن جد وهزلهن جد: النكاح والطلاق والرجعة " ولم يثبت الخبر المزبور عندنا، بل من المقطوع به خلافه، بل الظاهر من الإرادة في النصوص المزبورة (2) وغيرها الرضا والعمد إلى ذلك على وجه ينافيه، ومن هنا قال العبد الصالح عليه السلام لمنصور بن يونس (3) لما سأله عن طلاق زوجته مداراة لأخته وخالته ولم يرد الطلاق حقيقة: " أما ما بينك وبين الله تعالى فليس بشئ، ولكن إن قدموك إلى السلطان أبانها منك ".
ومن ذلك أو يقرب منه عدم جريان حكم الطلاق على من ذكر الصيغة للتعليم أو للحكاية أو تلقينا من غير قصد لمعناها ولا فهم له أو نحو ذلك مما لا يريد منها الطلاق بالمعنى المزبور، وبذلك ظهر لك أن بطلان طلاق الهازل لما عرفت لا لتخلف القصد إلى المدلول وإن قصد اللفظ، نحو ما سمعته من بعضهم في المكره، ضرورة تحقق القصد فيهما معا إلى المدلول، لكن على الوجه المزبور الذي لم يعتبره الشارع نصا وفتوى كما هو واضح (و) على كل حال فقد ذكر غير واحد تفريعا على الشرط المزبور أنه (لو نسي أن له زوجة فقال: " نسائي طوالق " أو " زوجتي طالق " ثم ذكر لم يقع به فرقة) بل لا خلاف أجده فيه، لأنه غير قاصد لطلاق زوجته من اللفظ أصلا، وكذا لو قال لزوجته: " أنت طالق " لظنه أنها زوجة الغير هازلا أو وكالة منه، أو قال: " زوجتي طالق " بظن خلوه من الزوجة، وظهر أن وكيله زوجه، وغير ذلك مما هو فاقد قصد الفراق بينها وبينه والعمد إليه، بل لم أجد من أحتمل