وإنما تعلق التكليف في هذه الأشياء بأمور أخر قد أمروا بإمضائها عند وجود غلبة الظن منهم على وصف، وإن لم يكن الظن نفسه هو المأمور به.
فأما من أداه اجتهاده إلى أن هذه جهة للكعبة أن يصلى إليها، ومن غلب في ظنه عدالة الشهود، أمضى الحكم بشهادتهم، ومن استولى على رأيه أن قيمة الثوب المستهلك كذا، أن يلزمها مستهلكة.
ألا ترى: أنه لولا الصلاة المفروضة عليه إلى جهة الكعبة، لما كان مأمورا بطلبها ولا التحري لجهتها.
ومن ليس عليه استماع البينة أو الإخبار بالاجتهاد في تعديل الشهود (فالتحري) عنه ساقط.
وكذلك من ليس عليه إلزام حكم لغيره في ضمان ما احتاج إلى التقويم، فليس عليه الاجتهاد.
فعلمت أن التكليف في هذه المواضع متعلق بإمضاء الحكم بما غلب في ظنه، لا الاعتقاد للظن، وكل ما كلف من ذلك وأمر بامضائه وغلب في ظنه فإنه جائز ورود النص بمثله.
ألا ترى: أنه جائز أن يأمر بعض الناس بالتوجه إلى الكعبة، وبعضهم بالتوجه إلى غيرها مع العلم بها، كالخائف ونحوه.
وجائز أن يكلف الانسان الحكم بشهادة هذين، ويكلف آخر أن لا يمضي حكما بشهادتهما.
وجائز أن يكلف بعض الناس أن يلزم مستهلك هذا الثوب عشرة دراهم، ويكلف آخر إذا اختصموا إليه أن يلزمه أحد عشر درهما، فالأمور التي تعلقت بها صحة التكليف على اختلافها يجوز ورود العبارة بها من طريق النص، فلذلك كان الجميع مصيبين، وسقط اعتبار الظنون المختلفة، إذ ليست هي الفروض التي كلفوها، وإن كانوا إنما كلفوا الفروض